للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا نَقل عنه تلاميذه شيئًا من ذلك، غايةُ ما في «الموَّطإ» تجويزُ الأكلِ مِن الغنيمةِ قبل القِسمة للجيشِ في دار الحرب، بقيْدِ الحاجةِ وبقدرِها.

ونصُّ كلامِ مالك قوله:

«لا أرَى بأسًا أن يأكُل المسلمون إذا دَخلوا أرضَ العدوِّ مِن طعامهم ما وجدوا مِن ذلك كلِّه قبل أن يَقَع في المقاسم، وأنا أرَى الإِبلَ والبقرَ والغَنَم بمنزلةِ الطَّعام، يأكل منه المسلمون إذا دَخلوا أرضَ العَدوِّ، كما يأكلون مِن الطَّعام، ولو أنَّ ذلك لا يُؤكَل حتَّى يَحضُر النَّاس المَقاسم، ويُقسَم بينهم أضَرَّ ذلك بالجيوش، فلا أرى بأسًا بما أُكِل مِن ذلك كلِّه على وجهِ المَعروفِ، ولا أرَى أن يَدَّخِر أحدٌ من ذلك شيئًا يَرجع به إلى أهله» (١).

فأين ردُّ مالكٍ لحديثِ رافعٍ؟!

والَّذي يشهد لقولِ مالك في هذه التَّفصيل قولُ ابنِ عمر رضي الله عنه: «كُنَّا نُصِيبُ في مَغازِينا العسلَ والعنبَ، فنأكله ولا نَرفعُه» (٢)؛ يقول ابن حجر: «أي ولا نحمِلُه على سَبيلِ الادِّخار، أو: ولا نَرفَعُه إلى مُتولِّي أمرَ الغنيمة، أو إلى النبَّي صلى الله عليه وسلم، ولا نَستأذنه في أكلِه، اكتفاءً بما سَبَق منه مِن الإذن» (٣).

فهذا قولُ مالكٍ له وجهه القويُّ مِن جِهة النَّقلِ والتَّعليل، وليس في حديثِ رافعٍ ما يُناقضه، ولا ما يَدلُّ على النَّهيِ عن الأكلِ مِن الغنيمةِ قبل القسم مُطلقًا، ولا صُرِّح فيه بالعِلَّة من إهراقِ القدورِ أصلًا حتَّى يعارَضَ به فتوى مالك.

ومِن ثمَّ اختلفَ المالكيَّة في تحديدِ العِلَّة في الحديثِ على أقوال:

منها: أنَّهم كانوا قد انتَهوا إلى دارِ الإسلامِ، وهو المَحلُّ الَّذي لا يجوز فيه الأكلُ مِن مالِ الغَنيمة المُشتركة، وإنَّما مُباحٌ الأكلُ منها قبل القِسمة في دارِ الحرب (٤).


(١) «الموطأ» برواية يحيى الليثي (٢/ ٤٥١).
(٢) أخرجه البخاري (ك: الجهاد، باب: ما يصيب من الطعام في أرض الحرب، برقم: ٢٩٨٤).
(٣) «فتح الباري» (٦/ ٢٥٦).
(٤) ذكره القاضي عياض في «إكمال المعلم» (٦/ ٤٢١)، ورجَّحه النَّووي في «شرحه على مسلم» (١٣/ ١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>