للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: فأمَّا قولُ الشَّافعي: «لم يَسمَعْ سليمانُ -عَلِمناه- مِن عائشة حرفًا قطُّ»، فهو مِن ورَعِه في الحيطَة، فقد قيَّد كلامَه بحسبِ ما يَعلمُه من ذلك (١)؛ كما أنَّ في قولِ الشَّافعيِّ: « .. هم يَخافون فيه غلطَ ميمون»، ما يوحي بعدمِ جزمِه بذلك أيضًا.

لكن الصَّحيح سماعُ سليمان مِن عائشة رضي الله عنها مِن وجوهٍ عدَّة، منها ما هو ما مُصرَّح به عند الشَّيخين في «صَحِيحَيْهما» (٢)؛ وعليه بَوَّب ابنُ حبَّان بقوله: «ذِكرُ الخَبرِ المُدْحِضِ قولَ مَن زَعَم أنَّ سليمان بن يسار لم يَسمع هذا الخبَر مِن عائشة» (٣).

وعمرو بن ميمون راويه عن سليمان -وهو مَن خاف الشَّافعي غلَطه فيه- مِن الثِّقاتِ المَشهورين (٤)، قد رَواه عنه أحدَ عشرَ راويًا فيهم أئمَّةٌ كِبار (٥)؛ فضلًا عن ورودِ الحديث مِن طُرقٍ أخرى عن غيرِ سليمان بنِ يَسار (٦).

فالحديث بهذا ثابتٌ عنه بلا رَيبٍ.

وأمَّا شُبهة احتمالِ غَلَطِ (عمرو بن ميمون)، فمبعثها: مَجيء روايةٍ عنه أنَّها فتوًى لسليمانَ؛ وهذا الاختلاف قد أجابَ عنه ابنُ حَجر بقوله: «ليس بين فَتواه ورِوايته تَنافٍ، وكذا لا تأثيرَ للاختلافِ في الرِّوايتين، حيث وَقَع في إحداهما أنَّ عمرو بن ميمون سألَ سليمانَ، وفي الأخرى: أنَّ سليمان سأل عائشة، لأنَّ كلًّا منهما سَأَل شيخَه، فحفظ بعضُ الرُّواة ما لم يحفظ بعضٌ، وكلُّهم ثِقات» (٧).


(١) وجَزَم بنَفيِ السَّماع البزَّارُ، نقله ابن الجوزي في «التَّحقيق» (٢/ ١٦٢).
(٢) جاء في البخاري (برقم: ٢٢٨) بإسناده عن سليمان قال: «سمعت عائشة .. » وفي لفظ: «سألت عائشة .. »، وكذا في مسلم (برقم: ٢٨٩) عن سليمان قال: «أخبرتني عائشة .. ».
(٣) «صحيح ابن حبان» (٤/ ٢٢٢، برقم: ١٣٨٢)، أورده فيه من طريق يزيد بن هارون.
(٤) انظر «الكاشف» للذهبي (٢/ ٨٩)، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص/٤٢٧) وقال: «ثقة فاضل».
(٥) انظر أسمائهم في «المسند الجامع» لمحمود خليل (١٩/ ٣٠٠).
(٦) تجدها في «السنن» للدراقطني (١/ ١٢٥)، و «شرح معاني الآثار» للطحاوي (١/ ٥١)، و «المسند» لأبي عوانة (١/ ١٧٤).
(٧) «فتح الباري» (١/ ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>