للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا قول الشَّافعي: «وقد رُوي عن عائشة خلاف هذا القول»، فيعني به روايةَ فَرْكِ المنيِّ بدلَ غسلِه (١).

وكثيرٌ مِن الفقهاءِ آلَفوا بين الرِّوايتين، ونَفوا التَّضاَد بينهما بأوجهٍ مُتعدِّدة (٢)، مِن ذلك: ما ذكره الشَّافعي نفسُه بقولِه: «إنْ جَعَلناه ثابتًا، فليس بخلافٍ لقولها: «كنتُ أفركُه مِن ثوبِ رسولِ صلى الله عليه وسلم ثمَّ يُصلي فيه»، كما لا يكون غَسله قَدمَيْه عُمرَه، خلافًا لمسحِهِ على خُفَّيه يومًا مِن أيَّامه، وذلك أنَّه إذا مَسَح عَلِمنا أنَّه تُجزئ الصَّلاة بالمسحِ، وتُجزئ الصَّلاة بالغسل، وكذلك تجزئ الصَّلاة بِحَتِّه، وتجزئ الصَّلاة بغسلِه، لا أنَّ واحدًا منهما خلاف الآخر» (٣).

فبانَ خطأ الشَّافعيِّ في تضعيف هذا الحديث، والشَّافعيَّة من بعده على خلاف قوله فيه.

الحديث الثَّاني:

أخرجَ مسلمٌ مِن حديثِ أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «صَلَّيتُ خلف النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ (الحمد لله ربِّ العالمين)، لا يذكرون (بسم الله الرَّحمن الرَّحيم) في أوَّل قراءةٍ ولا في آخرِها» (٤).

فقد زعمَ (الكرديُّ) (٥) أنَّ الشَّافعي ضَعَّف الحديثَ هو وعَددٌ مِن الحفَّاظ.

والحَقُّ أنَّ الشَّافعيَّ مُثبِتٌ لأصلِ الحديث، إنَّما تَكَلَّم في الجملة الأخيرة فقط: «لا يذكرون (بسم الله الرَّحمن الرَّحيم) .. إلخ»، حيث انفردَ مسلم بإخراجها مِن حديث أنسٍ بهذا اللَّفظ المُصرِّح بنفيِ قراءةِ البسملة.


(١) ١) أخرجه مسلم في (ك: الطهارة، باب: حكم المني، رقم: ٢٨٨).
(٢) انظر «جامع» الترمذي (١/ ٢٠١)، و «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص/٢٥٥).
(٣) «الأم» للشافعي (١/ ٧٤).
(٤) أخرجه مسلم (ك: الصلاة، باب: حجة من قال لا يجهر بالبسملة، برقم: ٣٩٩).
(٥) «نحو تفعيل نقد متن الحديث» (ص/٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>