للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أحمد: جعفر هذا هو أبو عبد الحميد بن جعفر، و (الحارث بن فضيل) ليس بمَحمودِ الحديث (١)، وهذا الكلام لا يُشبه كلامَ ابنِ مسعود، ابنُ مسعود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصْبِروا حتَّى تَلقوني» (٢).

فبَانَ بهذا النَّص أنَّ كلامَ أحمد مُتَّجِّهٌ إلى لفظٍ آخرَ للحديث، ليس هو لفظُ مسلمٍ محلُّ البحث كما أوهَمَته عبارةُ الجيَّاني!

فالمَنكور عند أحمد هو الَّذي بلفظِ «الأُمَراء»، أمَّا ما في «صحيحِ مسلم» فبلفظ: «خُلوف»، وفَرقٌ بين اللَّفظين مِن جِهة المعنى؛ فالأولى قد أعلَّها أحمد لكونِ ظاهرِها بابًا للخروجِ على الوُلَاة (٣)، أمَّا الَّتي في «مسلم»: فليس للأُمراءِ فيها ذِكرٌ، فـ (الخُلوف) جَمع خَلْف، «وهو القَرنُ بعد القَرن، واللَّاحقُ بعد السَّابق» (٤)، وهذا عامٌّ في النَّاس.

وأحسَبُ أنَّ هذا القَدْر مِن البَيانِ كافٍ في نَقضِ دَعوى (الكرديِّ) في نسبةِ تعليلِ هذا الحديث الَّذي بلفظِ مسلمٍ إلى أحمد.

لكن يبقى الإشكال في مَوضِعين مِن كلامِ أحمدَ:

الأوَّل: ذِكرُه للحديثِ الَّذي بلفظ «الأمراء» في «مسائلِ أبي داود له»، بنفسِ السَّنَد الَّذي أخرج به مسلم حديثَ «الخلوف»! مِن طريق (صالح بن كيسان)، عن (الحارث بن فضيل) إلى آخر السَّند؛ مع أنَّي لم أقِف على طَريقٍ عن صالحٍ هذا


(١) وفي رواية المهنَّى بن يحيى عنه: «غير محفوظِ الحديث»، «تهذيب التهذيب» (٢/ ٢٦٥).
وقد خالف أحمد بحكمه هذا عليه جمهور النُّقاد وقد وثَّقوه، ولا ريبَ أنَّ كلامَهم مُقدَّم على جرحِه إيَّاه مِن غير بيِّنة مفسِّرة، اللَّهم إلَّا إن كان هذا الحديث نفسَه ما اقتضى تجريحه عنده! ولذلك لم يعتبر كلامَه فيه أحدٌ مِمَّن صنَّف في «الرِّجال» مِن المتأخِّرين بخاصَّةٍ.
(٢) «مسائل الإمام أحمد» برواية أبي داود السجستاني (ص/٤١٨)، ونقله عنه الخلَّال بنفس لفظِه في كتابه «السُّنة» (١/ ١٤٢).
(٣) وقد تُعقِّب أحمد في إنكارِه لمتنِ هذا الحديث، وبيَّنَ العلماء وجهَه الصَّحيح، منهم ابن رجبٍ في «جامع العلوم والحكم» (٢/ ٢٤٩)، وابن الصَّلاح في «صيانة صحيح مسلم» (ص/٢٠٩).
(٤) «المُفهم لما أشكل من صحيح مسلم» لأبي العباس القرطبي (١/ ٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>