للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث الثَّاني:

روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«ما مِن نبيٍّ بَعثه الله في أمَّةٍ قبلي، إلَّا كان له مِن أمَّتِه حواريُّون وأصحاب، يأخذون بسنَّتِه، ويقتدون بأمرِه، ثمَّ إنَّها تخلُف مِن بعدهم خُلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمرون، فمَن جاهدَهم بيدِه فهو مؤمن، ومَن جاهدَهم بلسانِه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبِه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك مِن الإيمان حبَّة خردل» (١).

فقد ذكرَ (الكرديُّ) (٢) أنَّ أبا عليٍّ الجيانيَّ (ت ٤٩٨ هـ) نقلَ عن أحمدَ تكلَّمه في هذا الحديثِ بقولِه: «هذا الحديث غير مَحفوظ، قال: وهذا الكلام لا يُشبه كلامَ ابنِ مَسعود، وابنُ مسعود يقول: اصْبِروا حتَّى تَلْقوني».

وقد أحالَ (الكرديُّ) هذا النَّقلَ إلى النَّووي في شرحِه لـ «صحيح مسلم» (٣)، وجهل أنَّ النَّوويَّ إنَّما أخَذَه عن عِياضٍ في شَرحِه «الإكمال» (٤)، الَّذي نَقَله بدَورِه مِن كتابِ الجِيَّاني حيث تَعَقَّب مُسلمَ بن الحجَّاج (٥)، ومَصدر هذا النَّص عن أحمد في «مَسائل أبي داود لأحمد»!

وبرجوعنا إلى هذا الأصلِ وتَركِ تلك الوَسائط، وجدنا أنَّ أبا داود يَنقُل عن شيخهِ أحمد كلامًا مُختلِفًا عمَّا نَقَلته هذه الوسائط عنه! يقول هو فيه: «سَمِعتُ أحمدَ ذكَرَ حديثًا لصالح بنِ كيسان، عن الحارثِ بن فُضيل الخَطمي، عن جعفر بنِ عبد الله بنِ الحَكم، عن عبد الرَّحمن بنِ المِسْور بنِ مخَرمة، عن أبي رافعٍ، عن عبد الله بنِ مَسعود، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «يكون أُمَراء يَقولون ما لا يَفعلون، فمَن جاهدَهم بيَدِه .. ».


(١) أخرجه مسلم (ك: الإيمان، باب: كون النهي عن المنكر من الإيمان، برقم: ٥٠).
(٢) «نحو تفعيل نقد متن الحديث» (ص/٦٥).
(٣) «شرح صحيح مسلم» للنووي (٢/ ٢٨).
(٤) «إكمال المعلم» للقاضي عياض (١/ ٢٩٢).
(٥) «تقييد المهمل وتمييز المشكل» لأبي علي الجياني (٣/ ٧٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>