للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقيضَ ما خَشِيَه أحمد! حيث جعله «حُجَّةً لجماعةِ الأمَّةِ في تركِ القيامِ على أئمَّة الجَور، ووجوبِ طاعتِهم، والسَّمعِ والطَّاعةِ .. وأنَّه مِنْ أقوى ما يُرَدُّ به على الخوارج» (١)!

قلت: لعلَّ ما جَرَّأَ أحمدَ على تعليلِ هذا الحديث ما رآه من تَفرُّد شُعبة بن الحجَّاج (ت ١٦٠ هـ) بجملةِ الاعتزالِ في آخرِه، حيث جاء الحديث مِن أوجهٍ أخرى صحيحةٍ ليس فيها تلك الجملة، فرآه مِن غرائب شُعبة، كما قاله ابن حَجر (٢).

لكن شُعبة قد رَواه على الوَجهين جميعًا! بجملةِ الاعتزالِ وبدونِها، وكِلا الوَجهين رواتُهما ثِقات أثبات (٣)، وهذا إن دَلَّ على شيءٍ فعلى ضبطِ شُعبة للحديث على كِلا الوَجهين؛ بل الأقربُ مِن حيث الصَّنعة أنْ تكونَ روايةُ الوجهِ الَّذي بجملةِ الاعتزالِ أصحَّ مِن الَّتي بدونها (٤).

فلهذا كلِّه لم يَتَردَّد البخاريُّ ومسلم في إخراج رواية شعبة بجملةِ الاعتزالِ، ليتَبيَّن غَلطُ شيخِهما أحمدَ في تعليلِه إيَّاها، والله يأجُره على اجتهادِه.


(١) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (١٠/ ١٠).
(٢) ذكر هذا ابن حجر في «الفتح» (٦/ ٦١٥).
(٣) فقد شارك شعبةُ سفيانَ الثَّوريَّ وأبا عوانةَ وابنَ أبي زائدةَ في روايةِ هذا الحديث: عن سِماك، عن مالك بن ظالم، عن أبي هريرة، دون ذلك اللَّفظِ.
ثمَّ رواه شعبة باللَّفظِ الزَّائد من طريقٍ آخر: عن أبي التَّياح يزيد بن حميد، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة؛ وانظر تخريج هذين الوجهين في «المسند الجامع» (١٨/ ٣٨١)، و «المسند المصنف المعلَّل» (٣٤/ ٤٩٧).
(٤) فإن رواية مالك بن ظالم فيها اختلاف، فمرة يروى عنه أنه عبد الله بن ظالم، وأخرى عن مالك بن ظالم، انظر هذا الاختلاف في «تعجيل المنفعة» لابن حجر (٢/ ٢٢٥).
وقال الأزدي -كما في «ميزان الاعتدال» (٣/ ٤٢٧) - عن رواية مالك هذا عن أبي هريرة هذا الحديث: «لا يتابع عليه»،

<<  <  ج: ص:  >  >>