للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعيار الأوَّل: الانضباطُ بقواعدِ الأئمَّة المُتَقدِّمينَ في التَّعليلِ وقواعِد النَّقد؛ وهذا لا أُرى خلافًا عليه بين من تحقَّق علوم الحديث على أصولها.

المعيار الثَّاني: مُراعاة طريقةِ تَصنيفِ «الصَّحيحين»، ومَنهجُ الشَّيخينِ في انتقاء أحاديثهما؛ فمِن غير اللَّائقِ -مثلًا- أن يُقَدَم على تَضعيفِ ما عَلَّقه البخاريُّ في «صحيحه» بصيغةِ التَّمريضِ، أو أن يُنكِرَ عليهما ما أخرجَاه على وجهِ التَّعليل له، أو ما ذَكروا له أوجُهًا مُتباينةً إشارةً إلى عِلْمِهما بالخلافِ، فيأتي مَن لا يَفهم عوائدَهما في التَّصنيفِ، ليَستدرِكَ عليهما مثلَ هذه الأمثلةِ.

المعيار الثَّالث: أن يكون تعليلُ الحديث في أحدِهما مَسبوقًا إليه مِن أحَدِ الحُفَّاظِ المتقدِّمين بعد الشَّيخين؛ وهنا نحتاج إلى نوعِ تفصيلٍ لهذا الشَّرط، للتَّفريقِ بين وَجْهين مِن أوجهِ التَّعليلِ لأخبارِ «الصَّحيحين»، فنقول:

إنَّ تعليلَ المُعاصِرين لِما في «الصَّحيحين» لا يخرج عن حالَتين:

الأولى: أن يُعِلَّ أحدهم أصلَ حديثٍ بتَمامِه، احتَجَّ به الشَّيخان في «الصَّحيحين»، دون أن يُسبق إلى ذلك مِن أحدِ الحفَّاظِ المُتقدِّمين:

فهذا مِمَّا لا يُقبل مِن صاحبِه؛ وعِلَّة ذلك: أنَّ الكِتابين قد تَلقَّت الأمَّة جملةَ أخبارهما بالقَبول؛ وليس مِن المَقبول اعتقادُ قُدرةِ أحَدِنا على استدراكِ حديثٍ بالتَّعليلِ، وقد مَرَّ على أعيُنِ أكابرِ النُّقادِ والحُفَّاظِ والفقهاءِ طيلةَ قرونٍ مُتتابعةٍ، معتقدين لمُقتضاه؛ بخلاف ما يُنازع فيه بعضُ النُّقاد، فقد بيَّنا قبلُ أنَّ ذلك مِن مَوارِدِ الاجتهادِ في التَّصحيحِ، كمَوارِدِ الاجتهادِ في الأحكامِ الفقهيَّة.

يقول ابن تيميَّة: «ما اتَّفَقَ العلماءُ على صِحَّته، فهو مثل ما اتَّفَق عليه العلماء في الأحكام، وهذا لا يكون إلَّا صِدقًا، وجمهور مُتون «الصَّحيح» مِن هذا الضَّربِ، وعامَّة هذه المتون تكون مَروِيَّةً عن النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن عِدَّة وجوهٍ، رَوَاها هذا الصَّاحِب، وهذا الصَّاحِب، مِن غير أن يَتَواطآ، ومثلُ هذا يُوجِب العِلمَ القَطعيَّ» (١).


(١) «مجموع الفتاوى» (١٨/ ٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>