للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم؛ إنَّ مَسلك ردِّ الحديثِ لمُخالفةِ القرآنِ ليس مَنهجُا بِدْعيًّا في حدِّ ذاتِه، بل مَنهجٌ أصيلٌ مُعتَبر إذا تحقَّق مُوجِبُه، لا يَلزَمُ مِن تخبُّطِ مَن سَلَكه أنْ يكون باطلًا في نفسِ الأمرِ، فإنَّ المُتقرَّر عند أهل التَّحقيق في النَّقد، أنَّ «الأصلَ المَعلومَ بالكتابِ والسُّنةِ والإجماعِ، لا يُعارِضُه خبرٌ واحدٌ رواه الثِّقات، بل يُنسَبون في ذلك إلى الغَلط» (١).

لكن الشَّأن في تَحقُّقِ هذه المُخالفةِ أصالةً، وذلك لا يتحقَّق إلَّا:

بأنْ يكون المعنى الَّذي نَسَبه المُعترِضُ لظاهرِ الآيةِ -مِمَّا يزعُم مُناقَضَتَه للحديثِ- تحتمِله الآيةُ حقًّا مِن غير تَكلُّفٍ.

وكان مَسبوقًا في هذه النِّسبة مِن أهلِ التَّأويل.

مع انعدامِ أوجهِ التَّأويلِ لدَرءِ ما يَظهَر مِن تَعارضٍ.

أو لم يكُن للآيةِ وجهٌ مُعتَبرٌ آخرُ يُوافق الحديثَ عند ثلَّةٍ من أهلِ العلم.

فأمَّا أن تُحمَل الآيات على معنى لا يوائم لُغة العَرب، أو كان خِلاف الظَّاهر منها، مُخالفًا لِتفسيرِ السَّلَف لها: فهذا أصلُ الخَلَلِ في هذا الباب.

يقول الحجويُّ الفاسيُّ (ت ١٣٧٦ هـ) (٢): «قول النَّاقلِ عن الشَّيخ عبدُه، أنَّ العلماء اتَّفقوا على أنَّ الحديث إذا خالَف القرآنَ يُنبَذ، فهذا الكلامُ اتَّفَق كلُّ مَن نقلَه على أنَّه مُقيَّد، وليس على إطلاقِه، فقد زادوا شَرطين:

الأوَّل: أن تكون الآية صريحةً قطعيَّةَ الدَّلالة، والحديث ليس بمُتواتر،


(١) «جامع المسائل» لابن تيمية (٢/ ١٠٤).
(٢) محمد بن الحسن بن العربي الحجوي الثَّعالبي الجعفري الفلالي: فاسيٌّ من فقهاء المالكية السَّلفية في المغرب، دَرَس ودَرَّس في القرويِّين، وأُسندت إليه سفارة المغرب في الجزائر، وولي وزارة العدل فوزارة المعارف في عهد الاحتلال الفرنسيِّ، وبسبب تماهيه مع تنصيب ابن عَرَفة ملكًا للمغرب بدَلَ محمَّد الخامس، نَفَر منه كبار مُواطنيه وهَجَروه، ثمَّ عُزل بعد رجوع محمَّد الخامس، وتُوفيَّ بالرباط، ولم يُصلَّ عليه! حتَّى نقلت الحكومة المغربيَّة في عهد الاستقلال تُربتَه إلى مكان مجهول، له كُتب مَطبوعة مُفيدة، أجَلُّها «الفكر السَّامي في تاريخ الفقه الإسلامي»، انظر ترجمته في «إتحاف المُطالع» لابن سودة (٢/ ٥٦٠)، و «الأعلام» للزركلي (٦/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>