ولأنَّ السُّنَن الصِّحاح على حالٍ مِن التَّوافق مع القرآنِ عند مَن أعطى كلَّ واحد منها حقَّها مِن النَّظر المنهجيِّ السَّليم، نجِد اللَّاهِجين بدَعوى المُعارضةِ يَتَخبَّطون في أخذِ الآياتِ على مَحامِل عِدَّة لا تستقيم على وزانٍ مُنتظِم، فلا نراهم يُبرِزون ضابِطًا مَوضوعيًّا دقيقًا للمُخالفةِ القرآنيَّة، حتَّى صار هذا البابُ خاضِعًا في مُجملِه للاستشكالِ الشَّخصي القائمِ في ذهنِ أحدِهمِ، أدَّى بهم -في واقعِ الحالِ- إلى اضطرابٍ وتَبايُنٍ، مِن مُوجِباتِه النِّزاعُ والخِلافُ النَّاتِجَين عن نِسبيَّة التَّطبيقِ.
وعلى مثلِ هؤلاءِ المُغتَرِّين بفُهومِهم النَّائيةِ عن مُرادِ الوحي، تَصدُق كلماتُ ابنِ القَيِّم:
«لو ساغَ رَدُّ سُنَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمِا فَهِمَه الرَّجلُ مِن ظاهرِ الكتابِ، لرُدَّت بذلك أكثرُ السُّنَن، وبَطُلت بالكُليَّة؛ فما مِن أحدٍ يُحتَجُّ عليه بسُنَّة صحيحةٍ تخالف مذهبَه ونِحلتَه، إلَاّ ويُمكنه أن يَتشبَّث بعمومِ آيةٍ أو إطلاقِها، ويقول: هذه السُّنَّة مُخالفةٌ لهذا العمومِ والإطلاقِ، فلا تُقبَل!
حتَّى أنَّ الرَّافضةَ -قَبَّحهم الله- سَلَكوا هذا المسْلكَ بعَيْنِه في رَدِّ السُّنَنِ الثَّابتةِ المُتواترةِ، فرَدُّوا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا نورِّث، ما تركنا صَدقةٌ»، وقالوا: هذا حديث يُخالف كتابَ الله، قال تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}[النساء: ١١]!
ورَدَّت الجهميَّة ما شاء الله مِن الأحاديثِ الصَّحيحةِ في إثباتِ الصِّفاتِ بظاهرِ قولِه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١].
ورَدَّت الخوارج ما شاء الله مِن الأحاديثِ الدَّالةِ على الشَّفاعةِ، وخروجِ أهل الكبائرِ مِن المُوحِّدين مِن النَّار، بما فهِموه مِن ظاهرِ القرآن.
ورَدَّت الجهميَّة أحاديثَ الرُّؤيةِ -مع كثرتِها وصِحَّتِها- بما فهِموه مِن ظاهرِ القرآن، في قولِه تعالى:{لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام: ١٠٣]» (١).