الحالة الثَّانية: أن يكون كلام المُعاصِر فيما يَتَعلَّق ببعضِ الألفاظِ اليَسيرةِ في أخبارِ «الصَّحِيحَين»، لا في أصلِ الخَبرِ:
فهذا باب مَفتوحٌ لِمن انطبقَ عليه المِعيارانِ الأوَّلان مِن مَعايير نقدِ المعاصرين «الصَّحيحين»، لأنَّ الأمَّة إنَّما تَلقَّت أخبارَ «الصَّحيحين» بالقَبول في الجملة، ولم تُطبق على تصديقِ ما فيهما بكلِّ الحروفِ والألفاظِ! فهذا ليس إلَّا لكتابِ الله، فهو الَّذي قَبوله فَرضٌ بحروفِه وألفاظِه؛ وما نُقل إلينا مِن أحاديثِ -سواء في «الصَّحيحين» أو غيرهِما- لم يَكُن النَّبي صلى الله عليه وسلم تَلَفَّظ بها جميعَها بحروفِها، بل منها ما رُوِي بالمعنى كما هو مَعلوم.
فمَن بانَ له عِلَّة لفظٍ في حَديثٍ لا تُؤثِّر في أصله ومَعناه، أو زيادةٌ يراها ضَعيفةً في مَبناه، فله أن يُفصِح عن ذلك بشرطِه المُتقدِّم؛ وعلى هذا جَرى المُحَقِّقون مِن الحفَّاظِ المتأخِّرين في نَقدِ «الصَّحِيحَين»، منهم النَّوَويُّ، وابنُ القطَّان الفَاسيُّ، وابن تَيميَّة، وابن القَيِّم، والذَّهبي، وابنُ حَجر، وغيرهم كثير، لمِنَّ تَأمَّل مَواطنَ ذلك في مُصَنَّفاتِهم.
فبهذه المَعايِير الثَّلاثةِ المُقرَّرة على ناقدِ الكِتابين، مُعتمَدنا في اسْتِكناهِ مَوقفِ المَشايخ الأربعةِ المعاصرين مِن أخبارِ «الصَّحِيحين»، ونقد تعليلاتِهم لما أعلُّوه منها، اختبارًا لسلامةِ المنهج الَّذي سَلكوه في ذلك، وتبيُّنًا لمَدى وهاء الفكرةِ الَّتي عَوَّل عليها مَن سَوَّلت له نفسُه الطَعنَ في أحاديثِ «الصَّحِيحين» في تذرُّعه بهؤلاء المُعاصرين؛ فنقول مُستعينين بالله تعالى: