للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمِن أشهرِ أمثلةِ هذا في بابِ العقائد (١):

ردُّه لحديثِ معاوية بنِ الحَكمِ رضي الله عنه في سؤالِ النَّبيِ صلى الله عليه وسلم للجارية: بـ «أين الله؟» (٢)، نَحى فيه إلى تَعليلِه بعد انصارفِه عن تأويلِه، فراحَ يَضرب رواياتِ الحديثِ بعضَها ببعضٍ بدعوى الاضطرابِ، فاستروَحَ الكوثريُّ لإسقاطِ الحديث بذا، مع علمِه بضعفِ كثيرٍ منها، والتَّوفيق بينها مُمكنٌ غير مُتكلَّف (٣).

ومثال ذلك منه في بابِ الفقه:

إعلالُه لما اتُّفِق عليه مِن حديث ابن عبَّاس وابن عمروٍ رضي الله عنهم: أنَّ رجلًا جاءَ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم يومَ مِنى، فقال: حَلقتُ قبل أن أذبح، فقال: اِذبحْ ولا حَرج، وجاء آخرُ فقال: ذَبحتُ قبل أن أرمِي، فقال: اِرمِ ولا حَرج .. » الحديث (٤).

فتعَجَّل الكوثريُّ في مقام نصرة مذهبه إلى تضعيفِ هذا الحديث بكلامٍ عَجيب والله! يقول فيه: «إنَّ هؤلاء السَّائلين مجاهيل في هذه الرِّوايات»! (٥)

فلم تُسعِف الغُماريَّ نفسُه أن يتجاوز عنه هذه الهناتٍ! حتَّى استشاطَ عليه حَنقًا في ردِّه عليه قائلًا: «هذا أقسى ما يكون في الوقاحةِ والإجرام! .. فهذا -كما تَراه- خَرقٌ لإجماعِ العقلاءِ والمسلمين في آنٍ واحدٍ، فإنَّ العقلَ بالضَّرورةِ يقضي أنَّه لا دخلَ لإبهامِ السَّائلين والجهلِ بهم في الرِّواية، لأنَّهم ليسوا بنَقَلة، إنَّما ذُكِروا في الخبرِ سائلين، فلو ذَكَر النَّبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحكم ابتداءً مِن غير ذكرِ


(١) انظر جملة من أحاديث العقائد الَّتي ردَّها الكوثري في «الصَّحيحين» في «زاهد الكوثري وآراؤه الاعتقادية» لعلي الفهيد (ص/٣٨٧) وما بعده.
(٢) أخرجه مسلم (ك: المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، رقم: ٥٣٧).
(٣) سيأتي الرَّد على بعض مُعارضاته لمتنِ هذا الحديث في محلِّه من الجزء الثاني من هذا البحث.
(٤) أخرجه البخاري (ك: العلم، باب: الفتيا وهو واقف على الدابة ونحوها، رقم: ٨٣)، ومسلم (ك: الحج، باب: من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي، رقم: ١٣٠٦).
(٥) «النُّكت الطَّريفة» للكوثري (ص/٥٦ - ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>