للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول عنه تلميذه محمَّد الأمين بوخبزة: «لقد كان الغُماريُّ كثيرَ الكتابةِ سريعًا، فهو يكتبُ في مجلسٍ واحدٍ ما يعجزُ عنه جماعةٌ في ساعاتٍ، واتَّفقَ له أن كتَبَ مُؤلَّفات يَوميَّة، أي أنَّه يكتبُ مُؤلَّفًا في كرَّاساتٍ ثلاثةٍ أو أربعةٍ في يومٍ أو بعضِه! ولكن الحِلو لا يَثِمُّ -كما يقول المَثَل-، فإنَّ عَيْبَ هذا الرَّجلِ أنَّ عِلمَه أكثرُ مِن عَقلِه، فهو مُتسرِّعٌ وصاحب مُبالغة، ولا يَتَحرَّى كثيرًا مِن النَّقل» (١).

وحقًّا وجدته في عامَّة تحقيقاته كما قال؛ يحشُر الطُّرق والأسانيد حشرًا دون نقدٍ ولا تمييز، وكثيرًا ما يبني على مُجرَّد ذلك أحكامًا لا تصحُّ، وهذا شيءٌ يعرِفُه مَن طالَع مُؤلَّفاتِه بتَجرُّدِ النَّاقد، خاصَّةً منها «المُداوي لعِلَل المُناوي»، و «فتح الملِك العليِّ بصحَّة حديث باب مدينة العلم عليّ».

وعلى ما هو عليه مِن سِعَة اطِّلاع وفهمٍ لهذا الفنِّ، ودُربة في مُمارسته، هو وأَخَوَاه عبد الله وعبد العزيز؛ فإنَّ ذلك لم يعصِمه من الوقوعِ في هناتٍ قبيحةٍ في مَسائل منه، خالفَ بها المُحدِّثين في منهجَ التَّعليل والجرح والتَّعديل؛ ممَّا يُعطي النَّاظر في كثيرٍ من مُصنَّفاته هو والآخرَين انطباعًا باستحكامِ الهَوى في أحكامِهم؛ فلقد وقعوا فيما أنكروه على الكوثريِّ مِن التَّعصُّبِ للرَّأي والشُّذوذ فيه!

الفرع الثَّاني: نقد كلامٍ للغُماري يُحتَجُّ به لفتح باب الطَّعن لأخبار «الصَّحيحين».

تَهَاوى بعض المُعاصرين المَهْوُوسين بفكرة تنقية التُّراث الإسلاميِّ على تردادِ بعض مُقرَّرات الغُماريِّ، أشهرها فقرةٌ مِن كلامه طاروا بها كلَّ مَطارٍ، يذكر فيها بعض مَعايير معرفةِ الحديثِ المَوضوع (٢)، يقول فيها:


(١) «جراب الأديب السَّائح» لبوخبزة الحَسني (١/ ١١٣ مخطوط).
(٢) كما تراه في كتاب «السَّيف الحاد» (ص/١٠٢ - ١٠٣) لسعيد القنوبي محدِّث الإباضية، و «تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم» لجمال البنا (ص/٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>