للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان يُجرِعهم الحنْظلَ، ويُلقمهم الجنْدَلَ؛ حتَّى إنِّي استفظَعتُ نعتَه لأبي حنيفةَ بـ (أبي جِيفة)! .. في حين أنَّه يَصفُ كثيرًا مِن جَهلةِ المُتصوِّفة بالخُصوصِيَّة والولايةِ الكُبرى، وهم لا يُؤهَّلون لحملِ نِعالِ أبي حنيفة» (١).

إنَّ الأصلَ في حكم النُّقاد على الرَّاوي الثِّقة، إذا خَلَّط في ذكر حديثٍ فوَهِم في نسبتِه إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، أنْ يُدرجوا حديثَه هذا في حَدِّ النَّكارةِ أو البُطلانِ -على أشدِّ تقديرٍ-؛ أمَّا أن يصِموه بالموضوع -كما فعَلَ الغُماريُّ بحديث مسلمٍ- فما أبعدهم عن هذا الغلُوِّ! فإنَّ الموضوع في عامَّة استعمالهم -كما استخلصه الذَّهبيُّ من رحيق كلامهم- «ما كان متنُه مخالفًا للقواعد، وراويه كذَّابًا» (٢)؛ وقد سلَّم الله عكرمةَ بن عمَّار أن يكون كذلك.

وسيأتي مزيد بسط في نقضِ شديد كلامِ ابن حزم والغُماريِّ في حقِّ حديث عَرْض أبي سفيان لابنته على النَّبي صلى الله عليه وسلم في «صحيح مسلم»، وذلك في مبحثه الخاصِّ من القسم الثَّاني للبحث.

وللغُماريِّ مِن مثل هذا الشَّطَط في أحكامه على المُحدِّثين ودواوينِهم الشَّيء الكثير؛ فهو الَّذي شَنَّ الغارَة على التِّرمذي وأئمَّة الحديثِ بتُهمةِ جمودِهم على ظاهرِ السَّند، وزَعم أنَّ هذا الجمودَ هو العِلَّةُ في إخراجِ البخاريِّ ومسلم للأباطيلِ في صحيحيهما (٣)، ثمَّ لم يَرْعَوِ عن غَيِّه حتَّى بهَتَ البُخاريَّ بنصبِ العَداوةِ لأهلِ البيت! (٤) نسأل الله السَّلامة.

إنَّ آفةَ الغُماريِّ في نظري -فضلًا عمَّا أمضيناه مِن بوائقه- تَسرُّع نفسِه المضطربةِ إلى إصدارِ الأحكامِ المُنفعلة! لا أكاد أراه في كثيرٍ من الأحاديثِ الَّتي يدرسها يُكلِّف نفسَه التَّفتيش في أسانيدها بنَفَسِ المُقمِّش، ولا استقراءَ كلامِ الأئمَّة عنها بنَفسِ المُوازِن؛ ولكن يُطلق لقلمِه العَنان بما أملاه بادئُ رأيِه.


(١) «جراب الأديب السَّائح» لبوخبزة (١١/ ٢٣٨ مخطوط).
(٢) «الموقظة» (ص/٣٦)
(٣) انظر «جؤنة العطَّار» (١/ ١٦).
(٤) «رونق القرطاس» لمحمد الأمين بوخبزة (ص/١٢٠ مخطوط).

<<  <  ج: ص:  >  >>