للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِن مَظاهرِ تحكُّم عبد الله بن الصِّديق في نقدِ «الصَّحيحين»: بما ندَّعيه عليه من استحكام النَّزعة المذهبيَّة: محاوَلتُه اليائسة للطَّعنَ في حديثِ مُعاوية بن الحَكم رضي الله عنه الَّذي سأل فيه النَّبي صلى الله عليه وسلم الجارية عن الله بأين

(١) حيث حكَمَ عبد الله بشذوذِ هذا الحديث الصَّحيح وهو في «مسلم»! وبنفسِ العِلَل التَّي ساقَها سَلَفه الكَوثريُّ لإبطال الحديث؛ ثمَّ زاد عليه أشياءَ تَنقضُ المتنَ في زعمِه لم يذكرها الكوثريُّ

(٢).

وقد تَمادى بعبد اللهِ الخَطلُ في مثالٍ آخر أبطلَ فيه الحديثَ المُتَّفق على صِحَّته بين العلماء! مِن قولِه صلى الله عليه وسلم آخرَ عُمرهِ المُباركِ: «لَعَنَ الله اليَهود والنَّصارى، اتَّخذوا قبورَ أنبيائِهم مَساجد» (٣)؛ بل أبطلَ أحاديثَ هذا البابِ كلِّها! بدعوى مُخالَفتِها لمِا يَفهمه مِن القرآن غيرَ مُبالٍ بتَكاثر طُرقِها، وتَواترِ مَعناها عن النَّبي صلى الله عليه وسلم (٤).

هذا وهو المُقرُّ بأنَّ أكثرَ أهل العلم متقدِّمين ومتأخِّرين قد عَمِلوا به، لكن عذرُهم في ذلك عنده: أنَّهم لم يَتَفطَّنوا لِما تَفَطَّن له فيه مِن العِلَل الَّتي تَقضي بتركِ العَمل به واعتقاده.

يقول: «هذا حديثٌ ثابتٌ في الصَّحيحين وغيرهِما مِن طُرق، وقد عَمِل به كثيرٌ مِن العلماء المُتقدِّمين والمتأخِّرين، ولم يتَفَطَّنوا لمِا فيه مِن العِلَل الَّتي تقتضى


(١) «الفوائد المقصودة في بيان الأحاديث الشاذة المردودة» لعبد الله الغماري (ص/٨٧ - ٩١).
(٢) ستأتي مناقشتها في موضعها المُناسب من هذا البحث (٢/ ٧٧٤).
(٣) أخرجه البخاري (ك: الجنائز، باب: ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم، رقم: ١٣٩٠)، ومسلم (ك: المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها، رقم: ٥٢٩).
(٤) ذكره الكتَّاني في «نظم المتناثر» (ص/١٣٠ - ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>