للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترك العمل به، وذلك أنَّ القرآن الكريم يُعارض هذا الحديث مِن ثلاثة أوجه .. » (١).

وخلاصة الوجوه الثَّلاثة عنده: أنَّ اليهود آذوا الله ورسولَه بتُهم شائنةٍ، استحقُّوا عليها اللَّعنة، وأنَّهم كانوا يَقتلون الأنبياء، وأنَّهم حاولوا قتل عيسى عليه السلام ومحمَّد صلى الله عليه وسلم، فلا يَتَصَوَّر هو بعدَ عُدوانَهم هذا على المُرسلين أن يتَّخذوا قبورَهم مساجد!.

وما أحسنَ ما فنَّد به (محمَّد الغزاليِّ) هذه الشُّبهة الَّتي ألقى بها الغُماريُّ بجوابٍ مُختصرٍ، يقول فيه: «إنَّ الله وَصَف اليهودَ بقولِه: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: ١٦٨]؛ فالصَّالحون أبَوا الاعتداءَ على الأنبياء، والمُجرمون سَفَكوا دماءَهم، وبعد قتلِهم، بُنِيَت المَعابد على قبورِهم، تكريمًا لهم، على أنَّ هذه المقابر وساكنِيها حُصِدَت مع اجتياحِ الأعداءِ للأرض المُقدَّسة، فليس هناك الآن قبرٌ قائمٌ به نبيٌّ معروف! وحَلَّ محلَّ القبورِ الدَّارسةِ أصنامٌ وأنصابٌ ومَذابح في الكنائس المسيحيَّة» (٢).

لقد كان عبد الله في دراستِه النَّقديَّة لهذا الحديثِ وأشباهِه مِن حيث تخريجُه، مُتَمِّمًا هو فيه لِما بَدَأه قبلُ أخوه أحمد مِن دراستِه مِن جِهة الفقه، في كتابِه «إحياء المقبورِ، بأدلَّةِ استحبابِ المَساجد والقِباب على القبور»! (٣)


(١) «الفوائد المقصودة» (ص/١٠٥).
(٢) «تراثنا الفكري في ميزان العقل والشرع» (ص/١٥٢).
(٣) سأل محمد بوخبزة شيخَه أحمد الغُماري عن تناقضه في كتابه هذا مع ما قرَّره في رسالته «الاستنفار لغزو التَّشبه بالكُّفار»، حيث عقد بابًا في تحريم اتِّخاذ المساجد على القبور لعلَّةِ التَّشبُّه بالكُفَّار، فتردَّد الغماريُّ واضطرب! ثمَّ أشار له إلى أنَّ المدار على القصد والنِّية!
يقول بوخبزة في كتابه «صحيفة سوابق» (ص/٢٤٤): « .. ولعلَّ ظهور البطلان فيما ذهب إليه هو الَّذي حدا بعبد الله التَّليدي -تلميذ أحمد الغُماري- إلى مخالفته في هذه المسألة في تهذيبه لكتاب شيخه «الاستنفار» (ص/٤٠ - ٤١)، وَلَيته -يعني التَّليدي- نَهج هذا المنهج في سائر موبقاته، وفيها ما هو أبشع وأفظع، ولكنَّها الزَّاوية والطَّريقة» ا. هـ

<<  <  ج: ص:  >  >>