للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلَكَم أغضب هذان الكتابان عند طباعتهما صهرَهما الأمين بوخبزةَ! فسارع بعد انعتاقه من طريقتهما إلى إخراجِ جزءٍ صغيرٍ مطبوعٍ، يرُدُّ فيه عليهما ضمنًا تجويزَهما بناء المساجد على القبور، حَوَت واحدًا وأربعينَ حديثًا في النَّهيِ عن ذلك.

فما كان يجسُر عليه عبد الله مِن إسقاطِ ما اتُّفِق عليه من النُّصوص وجَرَى عَملُ الأئمَّة عليها، تَعصُّبًا لمذهبِ الطُّرقيَّةِ المُتأخِّرِ، ودَفْعًا للرِّيَبِ عَمَّا آلَ إليه آلُ الغُماريِّ مِن بناءِ الزَّاويةِ على قبْرِ أبيهم، وبيعِ قبورِها للنَّاس! (١) لَأمرٌ قبيحٌ، يتسامى عنه المُتجرِّدون للحقِّ مِن أهل الحديث ومن غيرهم.

يقول الأمين بوخُبزة: «حدَّثني الفقيه التُّجكاني أنَّه سمِعَ ابن خالِه وصهرَه الأستاذ عبد الله ابن الصِّدِّيق يُنكر خروجَ يأجوج ومأجوج، ويقول: إنَّهم التَّتار! كما سمِعَه يقول: إنَّ الأعمى الَّذي عَبَس النَّبي صلى الله عليه وسلم لمَّا جاءَه ونَزَلَت في شأنِه سورة (عَبَس)، ليس هو ابن أمِّ مكتوم! كما قال المُفسِّرون، واتَّفقَ عليه الأوَّلون والآخرون.

ورأيتُ له في بعضِ كُتُبه كـ «خواطره الدِّينيَّة» أشياء مِن هذا القَبِيل، يُريد بها الانفرادَ والإتيانَ بالجديدِ دون برهانٍ ولا بيانٍ، على قاعدة: خالفْ تُعرفْ!» (٢).

ولعبد الله مِن مثل ذاك العُدوان على أحاديث «الصَّحِيحين» كثيرٌ (٣)؛ يَعمِد إلى حديث منها مُتَّفق عليه ثبوتًا، صريح المعنى ظاهرِ الدَّلالة، فيُبطِله بآياتٍ قرآنيَّة ظنِيَّةِ الدَّلالة، على خلاف ما فهمه منها السَّلف الأوَّلون؛ قد تَعقَّبه فيها بعضُ المُشتغلينَ بالتَّخريج وغيرهم (٤).


(١) وكان أخوهم محمَّد الزَّمزمي بن الصِّديق يُنكرُ هذا الفعل من إخوتِه، ويُصرِّح في كتابه «الزَّاوية وما فيها من البدع» (ص/١٣) أنَّ والدَهم محمَّد بن الصِّديق قد غَيَّر رأيَه فيما كان عليه مِن الغُلوِّ في الطُّرقيَّة، وأنَّه كان ميَّالًا في آخر عمره إلى التزامِ السُّنة المحضةِ والاجتهاد.
(٢) «جراب الأديب السَّائح» لمحمد بوخبزة (ج ١، ص ٨ مخطوط).
(٣) أمثلة هذا في كتابه «الفوائد المقصودة» عديدة، وكذا كتابه «الصُّبح السَّافر»، ردَّ ما اتَّفق عليه المُحدِّثون والفقهاء مِن حديث عائشة: «فُرضت الصَّلاة رَكعتين ركعتين .. » بدعوى المخالفةِ نفسِها للقرآن.
(٤) انظر «آداب الزَّفاف» للألباني (ص/٥٦ - ٥٧)، و «ردع الجاني» لطارق عوض الله (ص/٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>