للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآنِ دلَّ على قَصْرِ ما اختَصَّ به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن المُعجزات في القرآنِ وحدَه، وأن ليس مِن اختصاصِه الإتيانُ بآياتٍ خارقةٍ للعادةِ.

ترى هذا الاعتراضَ ماثلًا في دعوى (عابدٍ الجابريِّ): «نحنُ نُؤكِّد -فعلًا- أنَّ الشَّيء الوحيدَ الَّذي يُفْهَم مِن القُرآن بأكملِه، أنَّه معجزةٌ خاصَّةٌ بالنَّبي محمَّد صلى الله عليه وسلم: هو القرآن لا غير، فالقُرآن يَكفي ذاته بذاتِه في هذا الشَّأن .. » (١).

واستدَلَّ بقولِه تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: ٥٠ - ٥١].

وكان (رشيد رضا) مِن السَبَّاقِين قبلَه للاستدلالِ بهذه الآيةِ على نفيِ الآياتِ الحِسيَّة (٢).

وليس فيما استَدَلَّ به ولا الجابِريُّ مُستمسَكٌ، ولا في الآيةِ ما يَدلُّ على دعواهما، فإنَّ الإغلاقَ واقعٌ في الآيةِ لإجابةِ أهلِ مكَّةَ فيما اقترحوه مِن آياتٍ بعينِها، لا في مُطلقِ الآياتِ، وذلك لكونِ التَّكذيب بعد وقوعِ الخارقِ المَطلوبِ يوجِبُ هلاكَ المُكذِّبين، كما في قولِه تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلَاّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} [الإسراء: ٥٩]، فلذا لم يُجِبهُم الله إلى طَلبِهم تلك الآياتِ بأعيانِها، رحمةً منه بقَومِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم.

فعلى هذا، تكون (الـ) التَّعريفِ في {الآيَاتِ}: عَهْدِيَّة؛ وإلَّا فحصولُ الكفايةِ بالقرآن هو حَقٌّ لا نُمارِي فيه، فهي الآيةُ الكُبرى للنَّبي صلى الله عليه وسلم، لكنْ هذا لا يَقتضي نفيَ ما عداه مِن الآيات الحِسيَّة، والَّتي تَواترت عنه في الجُملةِ (٣).


(١) «مدخل إلى القرآن الكريم» لمحمد الجابري (ص/١٨٧).
(٢) «مجلة المنار» (٣٠/ ٣٦٢).
(٣) وسيأتي مزيد تفصيلٍ في دفع المُعارضاتِ عن هذه الأحاديث في مَبحثِها المُناسب.

<<  <  ج: ص:  >  >>