للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المثال الثَّاني: حديث سِحر النَّبي صلى الله عليه وسلم.

فقد شَنَّع (محمَّد الغزالي) على أهلِ الحديثِ روايَتهم لحديثِ سِحْرِ لَبيدِ اليهوديِّ للنَّبي صلى الله عليه وسلم، مع كونِه مُتَّفقًا على صِحَّتِه (١)، حيث قال: «إذا صَحَّ هذا، فلِمَ لا يَصِحُّ قولُ المُشركين: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَاّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} [الفرقان: ٨]؟!» (٢).

ومَعلوم أنَّ المَنزع القُرآنيَّ لهذه الشُّبهةِ اعتزاليٌّ قديمٌ، لا يَكاد يخلو منه كلامُ مَن رَدَّ الحديثَ مِن الأقدَمِين، وتوارَثه المُنكِرون المُتأخِّرون، كـ (محمَّد عبده) الَّذي احتجَّ بالآيةَ، ليرُدَّ على بعضِ الأزاهرةِ الَّذين أنكروا عليه نُكرانَه للحديث (٣).

والآيةِ على غير ما أرَادا، فإنَّ المشركين إنَّما ابتغوا بقولهم: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلَاّ رَجُلاً مَّسْحُوراً}: أنَّ أمرَ النُّبوة كلُّه سِحْرٌ، وأنَّ ذلك ناشِئٌ عن أنَّ الشَّياطين استَولوا عليه -بزَعمِهم- يُلقون إليه القرآن، ويَأمرونَه، ويُفهِمونه، فيُصدِّقهم في ذلك كلِّه، ظانًّا أنَّه إنَّما يَتَلقَّى مِن الله ومَلائكتِه.

ولا ريبَ أنَّ الحال الَّتي ذُكِر في الحديثِ عُروضُها له صلى الله عليه وسلم لفترةٍ خاصَّةٍ، ليست هي هذه الَّتي زَعَمَها المُشركون، ولا هي مِن قِبَلِها في شيءٍ مِن الأوصافِ المَذكورة (٤).

الفرع الثاني: مِن أسبابِ استشكالِ الأحاديثِ النَّبويَّة ضَعفُ النِّسبة.

كثيرًا ما يُستشكَل حديثٌ تَلوح منه مَعالم المُخالفة الصَّريحة لصحيحِ المَنقول، أو صريح المَعقول، فيُتَّخذُ وسيلةً في تشكيكِ جَهلةِ المسلمين في سُنَّة نبيِّهم، ثمَّ يتَبيَّن بعد التَّفتيشِ عدم ثبوتِه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.


(١) أخرجه البخاري في (ك: الطب، باب: السحر، رقم: ٥٧٦٦) ومسلم في (ك: السَّلام، باب: السِّحر، رقم: ٢١٨٩).
(٢) «الإسلام والطاقات المعطلة» (ص/٥٤).
(٣) «مجلة المنار» (٣٣/ ٤١ - ٤٣).
(٤) انظر «الأنوار الكاشفة» (ص/٢٥٢)؛ وسيأتي مَزيد تفصيلٍ في دفع المُعارضاتِ عن هذه الأحاديث في مَبحثِها المُناسب.

<<  <  ج: ص:  >  >>