للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرع الأوَّل: موقف الألبانيُّ من أحاديث «الصَّحيحين».

الألبانيُّ مُعترِفٌ بعَظيمِ فضلِ «الصَّحيحين»، شديدُ الحَفاوةِ بهما، وهو على جَلَده في التَّحقيق، وحرصِه على التَّدقيق، إذا بَدا له ضَعفُ شيءٍ فيهما، تَباطَأ في إصدارِ حُكمِه، وأنعمَ النَّظرَ تمحيصًا لنقدِه، هِيبةً منه للشَّيخينِ، وإجلالًا منه للكِتابين، خلافًا للثَّلاثةِ المعاصرين قبله!

فكان من جميل ما يقول في حقِّ البخاريِّ: «إنَّ حديثًا يخُرِجه الإمامُ البخاريُّ في «المسندِ الصَّحيح» ليسَ مِن السَّهلِ الطَّعن في صِحَّته لمُجرَّدِ ضعفٍ في إسناده، لاحتمالِ أن يكون له شَواهد تأخذُ بعضُدِه وتُقوِّيه» (١).

وكلام الألبانيِّ هنا متوجِّهٌ فيه بالنَّصيحةِ إلى مَن يجري في مِضمارِ العلماءِ، ويستعمل أدَواتِ نقدهم الَّتي أصَلُّوها في كُتبِ المُصطَلح والتَّخاريج، فيُنبِيه بوعورةِ مَسالكِ النَّقدِ للصَّحِيحين؛ وأمَّا الحائدون عن منهجِ المُحدِّثين المُترامون على الكِتابينِ بشبهاتِ العقلنةِ وهوى النُّفوس، فقد كان الألبانيُّ لهم بالمِرصاد!

فهذا الكوثريُّ وهو الطُّلَعة اللَّوْذَعي، حين تَعَدَّى حَدَّه بإعلال حديث مُتَّفَق عليه في «الصَّحيحين» دون دليل مُعتبر، لم يَسكُت له الألبانيُّ، بل أخَذَ قلمَه يُسطِّرُ به غلطاته ويُبيِّن تَعالُمَه فيه، حَمِيَّةً منه لهذين الأصلين العظيمين من أصول السُّنَّة (٢).

ومثلُ ذلك فعَلَ بالغُماريِّ عبدِ الله حينَ أعَلَّ حَدِيثَيْن فيهما، واحدًا مُتَّفَقًا عليه، والآخَر في «مسلم»؛ فتصدَّى له بأن نَفَى العِلَّة عن أسانيدهما، وبَرَّأهما مِن الشُّذوذِ في مَتْنَيهما، ودَلَّ على أنَّ المُعِلَّ أحقُّ بوصف الشُّذوذِ، إذ خالف فيهما أئمَّة الحديث (٣).


(١) «السِّلسلة الصَّحيحة» (٤/ ١٨٥).
(٢) انظر مقدمة تخريجه لـ «العقيدة الطحاوية» (ص/٥٠ - ٥١).
(٣) انظر «السِّلسلة الصَّحيحة» (رقم: ٢٨١٤)، و «آداب الزَّفاف» (ص/٥٦ - ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>