للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مَن أنكرَ عليه إعلالَه لبعضِ أحاديثِ «صحيح مسلم» (١)، بدعوى أنَّ العلماء أجمعوا على صِحَّة كلِّ ما فيه.

فتقصَّد الألبانيُّ نسفَ هذا الادِّعاءَ من مُدَّعيه بإثباتِ انتقادِ العلماء لأحاديث «الصَّحيحين» قديمًا وحديثًا، واختصَّ منهم أبا الفيضِ الغُماريَّ بالتَّمثيلِ لكونِه مُبجَّلًا عند المُنكرِ عليه وأنَّه تلميذ لمدرسته!

فكأنَّه يُحاجُّ هذا الدَّعِيَّ بشيوخِه الغُماريِّين أنَّهم كذلك يعلُّون في الصَّحيحين كما أعلَّ الألبانيِّ، بل أشدَّ! ليُلزِمَه الإنكارَ عليهما كما فعل معه، أو السُّكوتَ والتَّبرُّم مِن أصلِ الفكرةِ الَّتي لأجلها أنكر عليه مِن الأساسِ.

وقد تَتبَّعتُ الأحاديث الَّتي تَكلَّم فيها الألبانيُّ في أحدِ «الصَّحيحين»، فلم أجَدْ له في مؤلَّفاته كلِّها حديثًا حَكَم عليه بالوضعِ؛ قُصارى حُكمِه لا يُجاوز دائرةَ التَّضعيفِ؛ فليس مِن المعقولِ أن يترك هو الأحاديثَ الموضوعةَ دون بيانٍ، ليتَّجه إلى بيانِ ما دونها في الضَّعف!

ومن ثمَّ فإنَّ عبارة الألبانيِّ لا يُمكن بحالٍ أن يُستشهد بها على ادِّعاءِ وجودِ موضوعاتٍ في البخاريِّ مِن جِهة الواقع العلميِّ للمتمرِّسين؛ بل على العكسِ مِن ذلك نجدُ الألبانيَّ يَنفي عن نفسِه ما اتَّهمه به بعضِ أقرانِه من العلماء من أنَّه يُسَوِّي بين «الصَّحيحين» وباقي كتبِ السُّنَن في التَّوقُّف حتَّى يُعلم درجة كلِّ حديثٍ فيها (٢)، بل دافع عن نفسِه بالإقرارِ بأنَّ «الصَّحيحين» أصحُّ الكتب بعد كتابِ الله تعالى باتِّفاقِ علماء المسلمين مِن المحدِّثين وغيرِهم، يقول فيهما: «قد امتازا على غيرهِما مِن كُتب السُّنة بتفرُّدِهما بجمع أصحِّ الأحاديث الصَّحيحة، وطرحِ الأحاديث الضِّعيفة والمتونِ المنكرة، على قواعد متينةٍ وشروط دقيقةٍ، وقد وُفِّقوا في ذلك توفيقًا بالغًا لم يُوفَّق إليه من بعدهم ممَّن نحا نحوَهم في جمع الصَّحيح،


(١) وهو محمود سعيد ممدوح المصريَّ، في كتابه «تنبيه المسلم، إلى تعدِّي الألبانيِّ على صحيح مسلم».
(٢) من كلام عبد الفتاح أبو غدة في الألبانيُّ كما نقله عنه في مقدمة «شرح الطَّحاوية» (ص/٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>