للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن كُلَّاب (ت ٢٤٥ هـ) (١) نفسُه قد بَيَّن أنَّ إنكارَ ما في هذا الخبرِ مِن سؤال النَّبي صلى الله عليه وسلم للجاريةِ عن الأيْنيَّة وجوابِها له، مِن قبائحِ ما تقحَّمته الجهميَّة دون سائرِ الأمَّة، فقال: «رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صَفوة الله من خلقِه، وخيرته مِن بريَّتِه، وأعلمهم جميعًا به، يجِيزُ قولَ الأَين، ويقوله، ويستصوب قولَ القائل: إنَّه في السَّماء، ويشهد له بالإيمان عند ذلك، وجهمُ بن صفوان وأصحابه لا يُجِيزون الَّذي زَعموا، ويُحيلون القولَ به».

ثمَّ قال: « .. ولو كان خطأً، كان رسول الله أحقَّ بالإنكار له، وكان ينبغي أن يقول لها: لا تقولي ذلك، فتوهِمين أنَّه عز وجل مَحدود، وأنَّه في مكانٍ دون مكانٍ؛ ولكن قولي: إنَّه في كلِّ مكان، لأنَّه هو الصَّواب دون ما قلتِ.

كلَّا! لقد أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع علمِه بما فيه، وأنَّه أصوب الأقاويل، والأمر الَّذي يجلِب الإيمان لقائلِه، ومِن أجلِه شهدَ لها بالإيمان حين قال، وكيف يكون الحقُّ في خلاف ذلك والكتاب ناطقٌ به وشاهد له؟!».

يقول أبو بكر ابن فورك (ت ٤٠٦ هـ) بعد نقلِه لنصِّ كلامِ ابن كُلَّاب: «قد حَقَّق رحمه الله في هذا الفصل شيئًا مِن مَذاهِبه:

أحدها: إجازة القول بـ «أين الله» في السُّؤال عنه.

والثَّاني: صحَّة الجواب عنه بأن يُقال: في السَّماء.

والثَّالث: أنَّ ذلك يَرجِعُ فيه إلى الإجماعِ مِن الخاصَّة والعامَّة» (٢).

ومع هذه البصائر البيِّنات كلِّها، لم يقنَعوا مَن عَنينا قبلُ مِن المُتأخِّرينَ بهذه الدَّلائل ولا تبصَّروا بكلامِ مَن مَرَّ مِن الأوائل، ومع إعلانِهم التَّقليدَ في العقائد، وتبجُّحهم باقتفاءِ تأصيلِهم للقواعد، فقد أجْلَبوا على الحديثِ بما قَدِروا مِن بِدع المعارضات، مُجمَلةٌ فيما تَعلَّق منها بالمتنِ في الآتي:


(١) عبد الله بن سعيد ابن كُلَّاب، أبو محمد القطان: من رؤوس المتكلمين، يقال له ابن كُلَّاب: لأنه كان يجتذب الناس إلى معتقده إذا ناظر عليه كما مجتذب الكلاب الشئ! له كتب، منها: «الصفات»، و «خلق الأفعال»، و «الرد على المعتزلة»، انظر «الأعلام» (٤/ ٩٠).
(٢) نقله ابن تيمية عن كتاب «الصِّفات» لابن فورك في كتابه «بيان تلبيس الجهمية» (١/ ٨٩ - ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>