للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعارضة الأولى: أنَّ الحديثَ مُضطرب المتن، إذ أنَّ لفظ معاوية بن الحَكم فيه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم سأل الجارية: «أين الله؟»، بينما غيره مِن الصَّحابة وقع في حديثِهم أنَّ سؤاله للجاريةِ كان بلفظ: «مَن ربُّك؟»، أو «أتشهدين ألَّا إله إلَّا الله؟»، فلا يُدرى عندهم أيُّ الألفاظِ هو لفظ النَّبي صلى الله عليه وسلم.

وقالوا بعدُ: إنَّ البيهقيَّ قد أشار إلى هذا الاضطراب، حيث قال بعد روايتِه له: « .. وقد ذكرتُ في كتاب الظِّهار مِن السُّنن مخالفةَ مَن خالفَ معاويةَ بنَ الحكم في لفظِ الحديث» (١).

ولعلَّ ما أبردَ يقينَهم بهذا الاضطراب، أن رأوا بعض الرُّواةِ عن معاوية بن الحكم يقول بأنَّ الجارية كانت خرساء، وأنَّها أشارت إشارة، وأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم مَدَّ يدَه إليها، وأشار مستفهمًا: مَن في السَّماء؟ فجاء الرَّاوي الَّذي في «صحيح مسلم» فسَبَك ما فهِمه مِن الإشارةِ في لفظٍ اختاره، فرواه بحسب المعنى الَّذي فهمه (٢)!

المعارضة الثَّانية: أنَّ المعهود مِن حالِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، والمتواتر عنه في تلقين الإيمان واختبار إسلام الإنسان، إنَّما كان منه بكلمةِ التَّوحيد، وليس بالسُّؤال عن الأيْنيَّة؛ فما وَقع في بعضِ الرِّوايات لهذا الحديث بلفظ: «أتشهدين ألَّا إله إلَّا الله»، هو اللَّفظ الوحيد الَّذي ينبغي أن يكون جاريًا على الجادَّة، وأجدر أن يكون هو اللَّفظ النَّبوي (٣).

المعارضة الثَّالثة: أنَّ البخاريَّ لم يروِ هذا الحديث في «صحيحه»، بل أخرجه في جزء «خلق أفعال العباد» دون ذكرِ ما يتعلَّق بكونِ الله في السَّماء، ولم يُشِر هو إلى أنَّه اختصَرَ الحديث، مِمَّا يدلُّ على تعليلِه لهذه الجُمَل منه (٤).


(١) «الأسماء والصفات» للبيهقي (٢/ ٣٢٧).
(٢) انظر تعليق الكوثري على «الأسماء والصفات - بتحقيقه» (ص/٣٩١)، وتعليقه على «السَّيف الصقيل» للسبكي (ص/٨٢)، وتعليق عبد الله الغُماري على «التمهيد» لابن عبد البر (٧/ ١٣٥)، وتعليق السَّقاف على «دفع شُبه التَّشبيه» لابن الجوزي (ص/١٠٨).
(٣) انظر تعليق الغُماري على «التمهيد» (٧/ ١٣٥)، وتعليق الكوثري على «السَّيف الصقيل» (ص/٨٣).
(٤) انظر تعليق الكوثري على «السَّيف الصقيل» (ص/٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>