للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرتبة الرَّابعة: إثبات خلق الرَّب تبارك وتعالى، فهو الخالق وما سِواه مَخلوق.

وقد أسلفنا الإشارة إلى أنَّ للعبد مَشيئةً وقُدرةً وفِعلًا تُنسب إليه، وكلُّ ذلك ليس خارجًا عن إرادةِ الله عز وجل الكونيَّة ومشيئتِه، يتجلَّى هذا الأصل في أنواع الدَّلائل الَّتي تضمَّنها القرآن الكريم، مِن إسنادِ الفعلِ أو الصُّنعِ أو المشيئةِ ونحوِ ذلك إلى عبده (١).

فبهذه الأصول نطَقَ أهل السُّنة والجماعة، وعليها انعقدَ إجماعُهم؛ كما تراه في مثل قول الأشعريِّ: «قد أجمعَ المسلمون قبل حدوثِ الجهميَّة والمعتزلة والحروريَّة على أنَّ لله عِلمًا لم يزَلْ .. وعِلْم الله سابق في الأشياء .. فمَن جَحَدَ أنَّ لله علمًا فقد خالف المسلمين، وخَرج عن اتِّفاقهم» (٢).

وكذا في ما نقله ابنُ القطَّان الفاسيُّ (ت ٦٢٨ هـ) بقوله: «أجمعوا على أنَّ الإقرارَ بالقَدَر مع الإيمان به واجب .. وأجمع المسلمون على قول: لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله، وعلى قول: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن .. وأجمعوا على أنَّه تعالى قدَّر أفعال جميع الخلق، وآجالهم، وأرزاقهم قبل خلقِه لهم، وأثْبت في اللَّوح المحفوظ جميع ما هو كائن منهم، وأجمعوا على أنَّه الخالق لجميع أفعال العِباد، وأرزاقِهم، والمُنشئ لجميع الحوادث وحده؛ لا خالق لشيءٍ منها سِواه» (٣).

وبهذا يتبيَّن ما انطوَى عليه حديث المُحاجَّة مِن الأصولِ العظيمة في هذا الباب الَّتي قام الإجماع عليها.

إلَّا أَنَّ هناك قَدْرًا مِن الحديث جالت فيه فهوم أهلِ العِلم: وهو حقيقةُ ما وَقَع عليه لَوْمُ موسى عليه السلام، وحقيقةُ ما احتجَّ به آدَّم عليه السلام.


(١) انظر في أدلَّة هذه المراتب «شفاء العليل» لابن القيم (ص/٢٩)، وفي تقرير كونها ظاهر الحديث «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٦١٦ - ٦٢٠).
(٢) «الإبانة» (ص/١٤٥).
(٣) «الإقناع في مسائل الإجماع» (١/ ٥٤ - ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>