تحقُّق العلمِ السَّابِق للكتابة؛ وأيضًا فإنَّ في جوابِ آدم عليه السلام ما يُشعِر بدلالة المفهوم على الأمور التَّالية:
الأوَّل: خلْقُ الله لهذه المعصية، ولِما انْبَنى عليها بعد ذلك مِن الإخراج، ولازم هذا الخَلق، هو:
الثَّاني: سَبْق المشيئة له؛ إذْ المشيئة تَسْبق الخلقَ، ولا خلقَ بلا مشيئةٍ تستلزمها.
وكما أنَّ الخلق يستلزم المشيئة، فإنَّ المشيئة تستلزم:
الثَّالث: سَبْق العلم بها؛ إذْ يستحيل إيجاده عز وجل للأشياءِ مع الجهل؛ لأنَّ إيجاد الأشياء بإرادة الرَّب تبارك وتعالى، وهذه الإرادة تستلزم تَصوُّرَ المُراد، فالإرادة مستلزمةٌ للعلم قطعًا.
الرَّابع: إثبات أنَّ للعبد فِعلًا اختياريًا يُنسَب إليه، ووجهُ هذا اللُّزوم: أنَّه لا معنى من لَوْمِ موسى لآدم عليهما السَّلام على عَمَلٍ لا اختيار له فيه، ولم يَجْرِ احتجاجه عليه السلام بالقدَر لينفي اختيارَه! إذْ لو كان كذلك، للَزِم أيضًا أن يكون احتجاجُه هو أيضًا لا اختيارَ له فيه! فلا تقوم الحجَّة إذَنْ، وسيأتي بيان فساد مَن فَهِم هذا الحديث على خلاف ظاهره.
والمقصود: أنَّ هذا الحديث -كما قال ابن عبد البرِّ- مُتضمِّنٌ لمراتبِ الإيمان بالقَدر الَّتي انعقد إجماع أهل السُّنة عليها:
المرتبة الأولى: إثباتُ عِلمِ الله تعالى المُحيطِ بكل شيء.
المرتبة الثَّانية: إثبات أنَّ الله كَتب كلَّ ما يكون مِن حين خلق الَقلم، حتَّى قيام السَّاعة وأحصاه؛ فلا يخرج شيءٌ عمَّا كَتبه.
المرتبة الثالثة: إِثبات المشيئة النَّافذة في خلقِه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكُن، على أنَّ الإرادة الخَلْقيَّة الكونيَّة ليست كالشَّرعيَّة مستلزمةً لرضا الرَّب ومحبَّتِه.