للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معاودتِه -كما فعل آدم عليه السلام- فيكون في ذِكْر القَدَر إذْ ذاك مِن التَّوحيد ومعرفةِ أسماءِ الرَّب وصفاتِه وذكرِها ما ينتفعُ به الذَّاكرُ والسَّامِعُ؛ لأنَّه لا يدفع بالقدَر أمرًا ونهيًا، ولا يُبطل به شريعة؛ بل يخبر بالحقِّ المحض على وجه التَّوحيد والبراءةِ مِن الحول والقُوَّةِ ..

وأمَّا الموضعُ الَّذي يَضرُّ الاحتجاج به: ففي الحالِ أو المستقبل؛ بأن يرتكبَ فِعْلًا مُحرَّمًا، أو يترك واجبًا، فيلومه عليه لائم، فيحتجَّ بالقَدر على إقامتِه وإصرارِه، فَيبْطل بالاحتجاج به حقًّا، ويرتكب باطلًا.

ونكتةُ المسألة: أنَّ اللَّومَ إذا ارتفع صَحَّ الاحتجاج بالقَدَر، وإذا كان اللَّوم واقعًا، فالاحتجاجُ بالقَدَرِ باطلٌ» (١).

واختار هذا الجمعَ ابنُ الوزير اليَمانيُّ (٢)؛ فهو متضمِّن للنَّظرِ الثَّاني وزيادة، وكلاهما له ما يدلُّ عليه (٣).

وقصدي مِن سَوْقِي لهذه الأنظار في القَدْرِ المختلف فيه مِن الحديث:

إثباتُ كونِ ورثةِ الأنبياءِ مع اختلافِهم في هذا القَدْر، مُتَّفقون على أنَّ حقيقةَ ظاهرِه لا تَدلُّ على تسويغِ الاحتجاجِ بالقَدَر على المَعايب، وإسقاط المَلامة عمَّن أذنبَ، قد حكى الإجماعَ على ذلك غَيرُ واحدٍ.

يقول أبو بكر ابن العَربي: «أجمع العلماء على أنَّه غير جائزٍ لأَحدٍ إذا أتَى ما نَهى الله عنه أو حَرَّمه عليه أنْ يحتجَّ بمثل هذا، فيقول: أفتلومني على أنِّي قتلتُ، وقد سَبق في علم الله أن أَقْتُل؟! وتَلومني على أن أسرق وأزني، وقد سَبق في علمِ الله وقدره؟! هذا ما لا يسوغ لأحدٍ أن يجعله حُجَّةً لنفسه.

والأمَّةُ مُجتمعةٌ على أنَّه جائز لَوْمُ مَن أتى ما يُلام عليه مِن معاصي الله، وذمُّه على ذلك، كما أنَّهم مُجْمِعون على حَمْدِ مَن أَطاع، وأتى مِن الأمور المحمودة ما يُحمَدُ عليه» (٤).


(١) «شفاء العليل» (ص/١٨).
(٢) انظر «الرَّوض الباسم» (٢/ ٤٦٥).
(٣) «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٦٢١).
(٤) «المسالك في شرح موطأ مالك» (٧/ ٢٢٠ - ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>