للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الدَّلائل النَّقلية: فاستدلَّ نُفاة أحاديث الرُّؤية ببعض الأدلَّة القرآنيَّة، زعموا تأكيدَها لما دلَّ عليه نظرهم العقليُّ، مِن أشهرِها:

قول الله تعالى: {لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: ١٠٣]، والمعنى عندهم: لا تراه الأبصار.

وقول الله تعالى لموسى عليه السلام بعد طلبِه النَّظرَ إليه: {لَن تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣]، و (لن) تفيد التَّأبيد.

وفي تقرير هاتين المُعارَضين لتلكم الأحاديث، يقول (جعفر السُّبحاني):

«ما قيمة روايةٍ تخالف الذِّكرَ الحكيم؟! .. وتخالف أيضًا العقل الصَّريح الَّذي به عرفنا الله سبحانه، والَّذي يحكم بامتناع رؤيتِه، لاستلزامها كونه جسمًا أو جسمانيًّا، مُحاطًا، واقعًا في جِهةٍ ومكان، تعالى عن ذلك علُوًّا كبيرًا» (١).

وعلى هذا أطلقَ سَمِيٌّ له في مِلَّة الرَّفضِ (٢)

دعوى عريضةً على أهل السُّنة، يتَّهِمهم فيها بتوليةِ ظهورِهم عن الآيات النَّافية للرُّؤية، وانجرارِهم وراءَ سرابِ أحاديثِ «الصَّحيحين»، كما تراها في قول (صادق النَّجمي):

«إنَّ مُستند علماء أهل السُّنة في إثبات الرُّؤية هو الأحاديث الَّتي رواها البخاريُّ ومسلم في كتابيهما، وأخرجها أرباب الكُتب المعتبرة عند أهل السُّنة، وبالتَّالي إنَّ هذه الأحاديث هي الَّتي صدَّتهم ومنعتهم عن التَّدبُّر والتَّفكُّر في آيات القرآن المجيد» (٣).


(١) «الحديث النَّبوي بين الرواية والدراية» (ص/٢٤٣).
(٢) ذهبت الشيعة الإماميَّة إلى نفي الرُّؤية مجاراةً للمعتزلة، وجاءت رواياتٌ عديدة ذكرها ابن بابويه في كتابه «التوحيد»، وجمع أكثرها صاحب «بحار الأنوار»: تنفي ما جاءت به النُّصوص من رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، حتَّى جعل الحرُّ العامليُّ في كتابه «الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة» (ص/١٢) نفيَ الرُّؤية مِن أصول الأئمَّة الاثني عشر الَّتي يكفُر من قال بخلافها.

ونفيُ الاثنا عشريَّة لرؤية المؤمنين ربَّهم في الآخرة هو خروج عن مذهب أهل البيت أنفسِهم! فقد اعترفت بعض رواياتهم بذلك، منها ما رواه ابن بابويه القمِّي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلتُ له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم»، انظر «مختصر التحفة الاثني عشرية» (ص/٩٧)، و «أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية» (٢/ ٥٥١ - ٥٥٢).
(٣) «أضواء على الصَّحيحين» (ص/١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>