للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِن قِحة ما تقحَّمه الإماميَّة في خصومتِهم مع أهل السُّنة، أن احتجُّوا عليهم في بطلانِ أحاديث الرُّؤية بكلامِ أمِّهم عائشة رضي الله عنها وهم يطعنونَ فيها! فزَعموا استدلالَها على نفيِ رؤيةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم لربِّه بقوله سبحانه: {لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}، وهو نفس ما استدلُّوا به على نفيِ عمومِ الرُّؤية أيضًا، حيث سُألِت: «يا أَمَتاه؛ هل رأى محمَّد صلى الله عليه وسلم ربَّه؟ فكان مِمَّا قالته: .. مَن حَدَّثك أنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه فقد كَذب، ثمَّ قرأت: {لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}» (١).

فأمُّ المؤمنين عائشة إذ أنكرت هذا القولَ في رؤيةِ محمَّد صلى الله عليه وسلم ربَّه ليلة المعراج، تمسَّكت في نصرةِ مَذهبِها بهذه الآية، فلو لم تكن هذه الآية مفيدةً للعمومِ بالنِّسبة إلى كلِّ الأشخاصِ وكلِّ الأحوالِ لما تمَّ ذلك الاستدلال عندها.

وفي تقرير هذه الشُّبهة يقول (هاشم معروف): «هذه الرِّواية تَتنافى مع الرِّوايات الَّتي تنصُّ على أنَّه يُرى كما يُرى القمر ليلة تمامِه، .. ولا بدَّ من تكذيب إحدى الطَّائفتين، ولا شكَّ أنَّ رواية السَّيدة عائشة تتَّفق مع الكتاب، ويؤيِّدها العقل، فهي أولى بالقَبول والاعتبار» (٢).

وأمَّا المَقام الثَّاني مِن المعارضات المستنكرةِ لبعضِ ألفاظِ أحاديث الرُّؤية، فأهمُّهما اثنتان، تتلخَّصان في الآتي:

الأولى: ادَّعى فيها (حسن السَّقاف) بأنَّ حديث أبي موسى الأشعريِّ في الرُّؤية: «جنَّتَان مِن فضَّة، آنيتهما وما فيهما .. »، مُعارَضٌ بمِا ورَد عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في وصفِ الجنَّة أنَّها «لبِنة من ذهبٍ، ولبِنة من فضَّة» (٣)، فليست ذهبًا خالصًا،


(١) أخرجه البخاري هكذا مختصرًا في (ك: تفسير القرآن، باب: قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}، رقم: ٤٨٥٥)، وأخرجه مسلم في (ك: الإيمان، باب: معنى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}، وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء، رقم:٢٨٧).
(٢) «دراسات في الكافي وصحيح البخاري» لهاشم معروف (ص/٢٠٨).
(٣) أخرجه الترمذي في «جامعه» (ك: صفة الجنة، باب: باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها، رقم: ٢٥٢٦)، وأحمد في «المسند» (رقم: ٨٧٤٧)، وصحَّحه ابن حبان في «صحيحه» (باب: وصف الجنة وأهلها، ذكر الإخبار عن وصف بناء الجنة التي أعدها الله عز وجل لأوليائه وأهل طاعته، رقم: ٧٣٨٧)، وأشار إليه مخرِّجو «مسند الإمام أحمد» (١٣/ ٤١٠) بالصَّحة لشواهده.

<<  <  ج: ص:  >  >>