للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظيرَ أن يقول: إن استقرَّ الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام -تعالى الله عن ذلك- فالكلُّ عندهم سواء (١)!

وأمَّا دعوى المُعترضِ تأبيدَ النَّفي بـ (لن)، وأنَّه يدلُّ على نفيِ الرُّؤية في الآخرة:

فهو قول فاسد مِن جِهة العَربيَّة نفسِها، وفي تقريرِ عدمِ إفادتِها للتَّأبيد، يقول ابن مالك الأندلسيُّ في «ألفيَّته» المشهورة:

ومن رأى النَّفي بـ «لن» مُؤبَّدا *** فقولَه ارْدُد وسواه فاعضُدا

ثمَّ (لَنْ) لو قدَّرْنا أنَّها للتَّأبيد في الآيةِ، لمَا دلَّ ذلك على دوامِ النَّفي في الآخرة، لوجود أدلَّة خارجيَّة تفيد خلافَ ذلك؛ نظيرُها في كتاب الله، قوله: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (٩٤) وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [البقرة: ٩٤ - ٩٥].

ثمَّ هو يُخبر عنهم وعن أمثالِهم مِن أهل النَّارِ بتمنِّيهم للموتِ في الآخرة، كما في قولِه: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: ٧٧].

هذا؛ مع أنَّ في ذاتِ سياقِ الآية ما يدلُّ على عدمِ التَّأبيد، وهو ما أبَانَ الباقلَّاني عنه بقولِه: «أرادَ في الدُّنيا -يعني طلبَ موسى عليه السلام الرُّؤية-، لأنَّه إنَّما سَأل ربَّه أن يُريَه نفسَه في الدُّنيا، فقوله: {لَن تَرَانِي} جوابُ هذا السُّؤال» (٢).

وأمَّا قولُ (حسن السَّقاف) في المقام الثَّاني مِن معارضاتِ أحرفٍ في متنِ أحاديث الرُّؤية: في دعواه أنَّ حديثنا هذا: «جنَّتَان مِن فضَّة، آنيتهما وما فيهما .. »، مُعارَضٌ بحديثٍ آخر لأبي هريرة رضي الله عنه في وصفِ الجَّنة أنَّها «لبِنة مِن ذَهبٍ، ولبِنة مِن فضَّة»، فيُقال له:

إنَّ الظَّاهر مِن قولِ النَّبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى: «آنيتهما وما فيهما .. » أنَّه بَدَل اشتمالٍ لمِا قبلها: «جَنَّتَان مِن فضَّة .. مِن ذهب»، وعليه فإنَّ الَّذي هو مِن فضَّة وذَهب: ما كان داخلَ تلك الجنَّتين مِن أواني، وقصورٍ، ونحو ذلك (٣).


(١) انظر «المواقف» للآمدي (٣/ ١٧٥)، و «شرح الطحاوي» لابن أبي العز (١/ ٢١٢ - ٢١٥).
(٢) «تمهيد الأوائل» للباقلاني (ص/٣٠٧ - ٣٠٨).
(٣) انظر «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ٤٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>