للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلاة على ابن سلول، لكنَّ الحديثَ بخلافِ هذا الظَّاهر القرآنيِّ، حيث فيه حَملُ (أو) على التَّخيير.

فلقد كان هذا الخَبر بحقٍّ مَزلَّةَ أقدامِ لبعضِ المُتقدِّمين مِن أهل العلمِ! حتَّى أنكر أبو بكر الباقلَّاني صحَّته بقوله: «هذا الخبر مِن أخبارِ الآحادِ الَّتي لا يُعلَم ثُبوتها» (١).

وقال الجُوَينيُّ: «هذا لم يصححه أهل الحديث» (٢).

وقال الغزالي: «الأظهر أنَّه غير صَحيح» (٣).

وقال الدَّاودي وهو شارحُ البخاريِّ: «هذا الحديث غير مَحفوظ» (٤).

ونظرًا إلى مقام هؤلاء القائلين قال ابن حجر: «استُشكِل فهمُ التَّخيير مِن الآية، حتَّى أقدمَ جماعةٌ مِن الأكابر على الطَّعنِ في صحَّةِ هذا الحديث! مع كثرةِ طُرقِه، واتِّفاقِ الشَّيخين وسائرِ الَّذين خرَّجوا الصَّحيحَ على تصحيحِه، وذلك يُنادي على مُنكري صحَّتِه بعدمِ معرفة الحديثِ، وقِلَّةِ الاطِّلاع على طُرقِه» (٥).

والسَّبب في إنكارهم صحَّتَه: ما تَقرَّر عندهم -وهو الَّذي فهمه عمر رضي الله عنه- مِن أنَّ أداة (أو) تُحمل على التَّسويةِ، لمِا يقتضيه سياقُ القِصَّة، ولفظ (السَّبعين) يُحمل على المبالغةِ؛ وأهل البيانِ لا يتردَّدُون في أنَّ التَّخصيصَ بالعددِ في هذا السِّياق غير مُراد، ومِن هنا شكَّك (رشيد رضا) في صحَّةِ الحديث، فقال:

«إنمَّا يظهر التَّخييرُ لو كانت الآية كما ذُكر في الحديث ولم يكن فيها بَقيَّتُها، أي: التَّصريح بأنَّه لن يغفر الله لهم بسببِ كفرِهم، وأنَّ الله لا يهدي القوم الفاسقين، ومِن ثَمَّ كان المتبادَر مِن (أو) فيها أنَّه للتَّسوية بين ما بعدها وما


(١) «التقريب والإرشاد» للباقلاني (٣/ ٣٤٤).
(٢) «البرهان» لأبي المعالي الجويني (١/ ١٧٠).
(٣) «المستصفى» (ص/٢٦٧).
(٤) «التَّوضيح» لابن الملقن (٩/ ٤٨٤).
(٥) «فتح الباري» (٨/ ٣٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>