للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: المتبادر مِن الآية عند النَّاطقين بالضَّاد، هو أنَّ عدد السَّبعين فيها كناية عن الكثرة، بمعنى أنَّ الاستغفار لا يُجدي لهم مهما بلغ عددها، سواء أكان أقلَّ من سبعين أو أزيد منه، وهذا ما يفهمه العَربي الصَّميم مِن الآية، ويؤيِّد ذلك أنَّه: سبحانه علَّل عدم الجدوى بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٨٠].

ولكن الظَّاهر أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم فهِم من الآية أنَّ لعدد السَّبعين خصوصيَّة! وأنَّه ما أقدم على الصَّلاة على عبد الله بن أُبيٍّ وهو رأس المنافقين إلَّا لأجلِ أن يستغفر له أزيدَ مِن السَّبعين، الَّذي ربَّما تكون الزِّيادة نافعة لحاله، ولا خفاءَ في أنَّه على خلاف ما يفهمه العربيُّ الصَّميم من الآية، فكيف بنبيِّ الإسلام، وهو أفصح مَن نَطق بالضَّاد؟!

ثالثًا: كيف قام النَّبي صلى الله عليه وسلم بالصَّلاة على المنافق وهو يشتمل على الاستغفار، مع أنَّ المَرويَّ في الصِّحاحِ أنَّه سبحانه نَهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار للمشركين وهو في مكَّة المكرمة؟! قال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: ١١٣].

رابعًا: أنَّه سبحانه نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار في سورة المنافقين، وقد نزلَت في غزوة بني المُصطلق، وغزاهم النَّبيُّ في العامِ السَّادس مِن الهجرة، قال سبحانه: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون: ٦].

ومع هذا البيان الصَّريح، كيف أقدم النَّبي صلى الله عليه وسلم على الصَّلاة على المنافق، والَّتي لم تكن إلَّا عملًا لغوًا غير مفيد؟

وما ربَّما يُتوهَّم أنَّه صلى الله عليه وسلم قدم على الصَّلاة استمالةً لقلوب عشريتِه، فهو كما ترى، لأنَّ القرآن يخبر بصراحةٍ أنَّ الصَّلاة والاستغفار لا تفيد بحالِه، أفيكون عملُ النَّبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا التَّصريح سببًا للاستمالة؟!» (١).


(١) «الحديث النبوي بين الرواية والدراية» (ص/٥١٨ - ٥٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>