للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإحدى هذه الأزمانِ الثَّلاثة أنسبُ الظُّروفِ المَوضوعيَّةِ لاستثارةِ الفكرةِ في ذهنِ عمر رضي الله عنهبلا شكٍّ، ثمَّ اقتراحِها بعدُ على النَّبي صلى الله عليه وسلم (١).

وأمَّا زعمُ المعترضِ بأنَّ سياقَ الآياتِ دالٌّ على أنَّ الأمرَ باتِّخاذ المقامِ إنَّما خوطب به النَّاس في ذلك الوقت الَّذي ابتُنيت فيه الكعبة فيما مضى، وليس هو أمرًا لأمَّةِ المسلمين:

فقد غفل المعترض عن تفصيلٍ في معنى الآية، كان أجدى لتقويةِ شُبهتِه الواهيةِ هذه لو تَأمَّل! فنحن نفيدُه به وبضدِّه كذلك، فنقول:

لو جعلَ المُعترِضُ الأمرَ في الآيةِ مُحتملًا أحدَ مَعنيين ابتداءً:

إمَّا أن تكون الآية مُجرَّد إخبارٍ إلهيٍّ بخطابٍ تَزامَن مع بناءِ الكعبةِ، قد خُصَّ به النَّاسُ وقتَها، كما يدَّعيه هو.

أو تكون أمرًا لأمَّةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ وهنا على المعترِضِ السَّعيُ إلى ترجيحِ المعنى الَّذي يوافق هوَاه، بأن يورِد القراءةَ الثَّانيةَ للآية الَّتي جاءت بصيغةِ الإخبار: {وَاتَّخِذُوا} بفتح الخاءِ (٢)، فكان هذا المَسلك أقوى دلالةً على مُرادِه مِمَّا هَرَف بهِ في تفسيرِه للآية!

ولو سَلَك هذا الأقوى لتهاوى أيضًا وما نَفَعه في رصفِ شُبهتِه! وذلك أنَّا جوابِ هذا المِسلك في الاعتراضِ على كِلا القراءتين للآيةِ:

أنَّا إن حَملنا الآيةَ على صيغة الأمر: يكونُ حديث عمر رضي الله عنه بذا قد أبانَ أنَّ القصدَ بها أمَّة المسلمين، ولا غروَ؛ وهم المخاطَبون بأوامرِ القرآن ابتداءً وأصالةً، فمناسبٌ على هذا أن يكون الحديث مِثالًا لتعيِينِ السُّنة أحدَ المعاني الَّتي تحتملُها الآية.


(١) يقويِّ هذا النَّظر عدَّة روايات تدلُّ على أنَّ اقتراح عمر رضي الله عنه كان زمن الفتحِ أو حجَّة الوداع، أوردها ابن رجب في كتابه «فتح الباري» (٢/ ٣١٧ - ٣١٨)، وإن كان لا يخلو إسناد منها من ضعف كما ذكر، لكن قد يفيدُ مجموعها وجودَ أصل لها.
(٢) وهي قراءة نافع وابن عامر، انظر «السبعة في القراءات» لابن مجاهد (ص/١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>