للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنه، فوقع في ألفاظها اختلاف:

ففي طريق أنسِ بن عياض (١) وأبي أسامة (٢) عنه، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: «إنمَّا خيَّرني الله .. وسأزيدُه على السَّبعين» (٣).

وجاء مِن طريق صَدقة بن الفضل (٤) عن يحيى بن سعيد (٥): أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يزِد على أن تَلَا الآية في جوابِه لعمر (٦).

ففي هذا الاختلاف في بعض ألفاظِ المتنِ دلالة على تصرُّفِ بعضِ الرُّواة في المتن، ونقلِهم لفظَ كلامِ النَّبي صلى الله عليه وسلم بالمعنى الَّذي استقَّرَ في حافظتهم على ما فهِموه، ظَهَر هذا الاختلاف بين لفظِ روايةِ عمر رضي الله عنه الأولى -وهي كما ترى تفيدُ علمَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بانتفاءِ مفهومِ العددِ في الآية، وعدم الفائدة مِن الزِّيادة على السَّبعين- وبين روايةِ ابنِه عبد الله مِن طريقِها الأولى بخاصَّة، حيث أفادت عزمَ النَّبي صلى الله عليه وسلم على الزِّيادةِ على السَّبعين.

فلا شكَّ بعقد هذه المقارنة يتَّضح أنَّ رواية عمر هي الصَّحيحة الرَّاجحة، وذلك لثلاثة اعتبارات:

الأوَّل: لموافقةِ رواية عمر رضي الله عنه دلالةَ الآية على التَّيئيسِ مِن المغفرة للمنافقين لكفرهم، حيث لا تنفع معه كثرة استغفار، والسَّبعون فيها جارٍ مَجرى المَثلِ للتَّكثُّر.


(١) أنس بن عياض بن ضمرة، أبو ضمرة المدني، ثقة من أوساط أتباع التابعين كما في «التقريب»، توفي سنة ٢٠٠ هـ.
(٢) حماد بن أسامة بن زيد القرشى مولاهم، أبو أسامة الكوفى، من صغار أتباع التابعين، قال ابن حجر في «التقريب»: «ثقة ثبت ربما دلس، وكان بأخرة يحدث من كتب غيره»، توفي ٢٠١ هـ.
(٣) أخرجها البخاري في (ك: تفسير القرآن، باب: قوله تعالى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}، رقم: ٤٦٧٠)، ومسلم في (ك: فضائل الصحابة، باب: فضائل عمر بن الخطاب، رقم: ٢٤٠٠).
(٤) صدقة بن الفضل أبو الفضل المروزى، ثقة من كبار الآخذين عن تبع الأتباع كما في «التقريب»، توفي سنة ٢٢٣ هـ وقيل ٢٢٦ هـ.
(٥) يحيى بن سعيد بن فروخ القطان، أبو سعيد البصري، ثقة إمام قدوة، من صغار أتباع التابعين كما في «التقريب»، توفي سنة ١٩٨ هـ.
(٦) أخرجها البخاري في (ك: اللباس، باب: لبس القميص، رقم: ٥٧٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>