للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّاني: عمر رضي الله عنه هو مَن عايَش الحَدثَ، وسمِع مِن النَّبي صلى الله عليه وسلم مباشرةً، ومعلومٌ مِن قرائنِ التَّرجيحِ: أنَّ روايةَ صاحبِ القصَّةِ مُقدَّمةٌ على غيرِها عند اختلافِ المتون (١).

الثَّالث: رواية عمر رضي الله عنه مستقِلَّةُ الإسنادِ عن رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنه؛ ثمَّ رُواتُها لم يختلفوا في ألفاظِها كما اختلفَ رواة حديث عبد الله بن عمر، وترجيحُ ما اتُّفِق على ألفاظِه أولى ممَّا اختُلِف في ألفاظه (٢).

وبهذه الثَّلاثة يرجح ضعفُ روايةِ عبد الله بن عمر: «وسأزيدُه على السَّبعين»، ويَغلبُ على الظَّنِّ -كما قال ابن عاشور (٣) - أنَّه لفظ زائد وَهِم الرَّاوي فيه بحسبَ ما فهِمه.

فإذا كانت هذه الجملة ساقطة، فقد انزاح عن الحديث مُعضِلة كانت أكثرَ ما استشكَلَه الشُّرَّاح والمُفسِّرون من حديث عمر هذا، حتَّى ساروا مذاهبَ شتَّى في التَّوفيق بينه ودلالةِ الآية الكريمة (٤)، والحمد له وحدَه على توفيقِه.

أمَّا دعوى المعارضةِ الثَّالثة: في استنكارِهم صلاةَ النَّبي صلى الله عليه وسلم على منافقٍ، مع سبقِ نهيِ القرآنِ عن الصَّلاةِ على المُشركين، فجواب ذلك أن يُقال:

قد ألمْحنا قبلُ إلى أنَّ النَّهيَ عن الاستغفارِ لمِن ماتَ مُشركًا لا يستلزِم النَّهيَ عنه لمِن ماتَ مُظهرًا للإسلام، لاحتمالِ أن يكونَ معتقدَه صَحيحًا (٥)، ولعلَّ


(١) انظر «الإشارة» للباجي (ص/٨٤)، و «الإحكام» للآمدي (٤/ ٢٤٣).
(٢) انظر «البحر المحيط» للزركشي (٨/ ١٨٢ - ١٨٣).
(٣) في «التحرير والتنوير» (١٠/ ٢٧٨).
(٤) بل توقَّف بعضهم في تفسير الحديث، فجعله الصنعاني في كتابه «التحبير لإيضاح معاني التيسير» (٢/ ١٩٦) «من المتشابه الَّذي لا يعلم تأويله إلا الله، والمتشابه من الحديث ثابت كالمتشابه من القرآن»!
وتكلَّف آخرون الجمع بطرق بعيدة المآخذ، ترى كثيرا منها وما أجيب عليها في «روح المعاني» (٥/ ٣٣٨)، من ذلك ما في «المفهم» لأبي العباس القرطبي (٨/ ١١٦) أنَّه جعل رواية ابن عمر مِن الوعد المطلق منه صلى الله عليه وسلم، ليحمله على رواية عمر المقيِّدة، فيكون المعنى عنده: وسأزيد على السَّبعين لو نفعه استغفاري، والواقع أنَّه لا ينفعه يا عمر! وإن كان القرطبي يرى في نفس الموضع أن رواية عمر أولى من هذا اللفظ التي في رواية ابنه عبد الله.
(٥) يقول ابن حجر في «فتح الباري» (٨/ ٣٣٩): «وهذا جواب جيد».

<<  <  ج: ص:  >  >>