والَّذي ينبغي تبيُّنه هنا: أنَّ نزولَ ظاهرِ الآيةِ بموافقةِ رأيِ عمر رضي الله عنه، إنَّما هي موافقة جُزئيَّة في النَّتيجة، وليست موافقة تامَّة في مقدِّماتِ تلك النَّتيجة!
بيانُ ذلك: أنَّ عمر رضي الله عنه احتجَّ في حوارِه بما صَدَر مِن ابن سَلولٍ مِن جرائم على نفيِ استحقاقِه للاستغفار، لكن الآية الكريمة قد راعَت في نهيِها الصَّريحِ أمرًا آخرَ أجلَّ: إنَّه متغيِّرات الحالةِ الإسلاميَّة، وتَمركُزٌ في موقعِ قوَّةٍ وهَيبةٍ لم يَكُن مُتاحًا للمسلمين من قبلُ، هذا ما لم يجرِ اعتبارُه على بالِ عمر في مجادلَتِه.
ذلك أنَّ «النَّبي صلى الله عليه وسلم في أوَّلِ الأمرِ كان يَصبِر على أذى المشركين، ويعفو ويصفح، ثمَّ أُمِر بقتالِ المشركين، فاستمرَّ صفحُه وعَفوُه عمَّن يُظهِر الإسلامَ، ولو كان باطنه على خلاف ذلك، لمصلحةِ الاِستئلافِ وعدمِ التَّنفير عنه، .. فلمَّا حَصَل الفتح، ودَخَل المشركون في الإسلام، وقَلَّ أهل الكفر وذَلُّوا: أُمِر بمجاهرةِ المنافقين، وحملِهم على حكمِ مُرِّ الحقِّ»(١).
فلأجلِ ذا نُهي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن إغداقِ رحمتِه على العدُوِّ الباطِن والاستغفار له، لا لِمجرَّد أنَّهم فَعلوا وفعلوا كما قال عمر رضي الله عنه، لكن عاجلُ عقوبةٍ لهم قبل يومِ التَّلاقِ، واقتلاعٌ لجذورِ الخَوَنةِ مِن تُربةِ النِّفاقِ.
وإنَّ في إعراضه صلى الله عليه وسلم عن ابن أبي سلولٍ مع اتسِّاع صحيفة هذا بسواد أعماله، لدليلًا حيًّا على أنَّه صلى الله عليه وسلم أبعدُ النَّاس عن إغراءاتِ السَّيف، وطموحاتِ المُستكبرين في الأرض!