للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو المشبِّهة -تعالى الله الَّذي ليس كمثله شيء- يمكن أن نتخيَّل ربَّ العزَّة هنا على هيئة وصورة أقلُّ ما يُقال فيها إنَّها لا تليق بجلالة الله وعظمته» (١).

المعارضة الثَّالثة: أنَّه يلزم من وضعِ قدم الله تعالى في النَّار مَسُّ الخلقِ للذَّاتِ الإلهيَّة ومخالطتها، فإنَّ لفظ (في) في روايةِ أنس رضي الله عنه: « .. حتَّى يضع فيها ربُّ العالمين قدَمه» (٢)، يفيد الظَّرفية، و «معنى ذلك أنَّ بعضَ أجزاءِ جسمِه تحلُّ بخلقِه، لأنَّ النَّارَ بعضُ خلقِه» (٣)، وهذا باطل شَرعًا وعقلًا.

ثمَّ فرَّع المُعترض عن هذا التَّوهم الوجهَ التَّالي من أوجُه المعارضةِ، وهو:

أنَّ القرآن أخبر أنَّ النَّار تمتلئ بإبليسَ وأتباعه فقط: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: ٨٥]، بينما الحديث يذكر امتلائها بوضعِ قدمِ الرَّبِ فيها أيضًا (٤).

المعارضة الرَّابعة: أنَّ الجنَّة والنَّار مِن الجمادات المَسلوبة العقلِ والحاسَّة، فلن يكون لهما «مَعرفةٌ بما حلَّ فيهما مِن مُتجبِّر ومتكبِّر، أو ضعيفٍ وساقط مِن النَّاس» (٥)، وعليه فإنَّ في «متنِ هذا الحديث خَللًا في المعنى، لأنَّ الجنَّة والنَّار غير عاقلتين فتتكلَّمان» (٦).

ثمَّ فرَّعوا عن هذا الاعتراض اعتراضًا لازمًا له، مفاده في:

المعارضة الخامسة: أنَّ مَن علِم أساليبَ العربيَّة في الخطابِ القرآنيِّ، يدرك أنَّ ما وَرد في آيةِ {وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} مِن كلامِ جهنَّم، هو مَحمول على المجازِ


(١) «قراءة في منهج البخاري ومسلم» لمحمد زهير الأدهمي (ص/٣٥١)، وانظر «تحرير العقل من النقل» (ص/٢٥٧).
(٢) أخرجه البخاري (ك: التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ}، ومن حلف بعزة الله وصفاته، رقم: ٧٣٨٤)، ومسلم (ك: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، رقم: ٢٨٤٨).
(٣) «الحديث النبوي بين الرواية والدراية» (ص/٦٥١).
(٤) «الحديث النبوي بين الرواية والدراية» (ص/٣٣٨)، وقوله آخر كلامه (لم يُعد) صوابه: لم يوعد.
(٥) «الحديث النبوي بين الرواية والدراية» (ص/٣٣٨).
(٦) «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» لإسماعيل الكردي (ص/١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>