للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجمعُ بين هذا المعنَى الثَّاني ودلالةِ الحديث على امتلاءِ جَهنَّم مُتناولٌ مَيسور بفضلِ الله، وذلك أن نقول: بأنَّ جَهنَّم لن تَزال تَطلبُ المزيدَ مِن ربِّها، حتَّى يضَع عليها الجبَّار سبحانه قدَمه، فيُزوى بعضها إلى بعضٍ، وتَضيق، حتَّى تَمتلِئ بذلك.

وفي تقريرِ هذا الوجهِ القَويم من التَّوفيق بين النَّصَّين يقول ابن تيميَّة: «الصَّحيح أنَّها تقول: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} على سبيلِ الطَّلب، أي: هل مِن زيادةٍ تُزاد فيَّ؟ والمَزيد ما يَزيده الله فيها مِن الجنِّ والإنس، كما في الصَّحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم -وذكر حديثنا هذا-.

فإذا قالت: حَسبي، حَسبي! كانت قد اكتفَت بِما أُلقي فيها، ولم تقُل بعد ذلك: هل مِن مَزيد، بل تَمتلئ بما فيها، لانزواءِ بعضها إلى بعض؛ فإنَّ الله يُضيِّقها على مَن فيها لِسعَتها، فإنَّه قد وَعدها ليَملأنَّها مِن الجِنَّة والنَّاس أجمعين، وهي واسعةٌ فلا تَمتلئ، حتَّى يُضيِّقها على مَن فيها» (١).

وفضلًا عن هذا الجواب، يُمكن أن يُزاد عليه فيُقال:

إنَّه يجوز أن يُقالَ للشَّيء: هو مُمتلئ، مع أنَّ فيه مَكانًا -ولو صَغُر- لا يَزال فارغًا! نبَّه عليه الدَّارمي في مَعرضِ تبكيتِه لِمن رَدَّ هذا الحديث، فقال: «يجوز في الكلامِ أن يُقال لممتلئٍ: استزادَ، كما يَمتلئ الرَّجل من الطَّعام والشَّراب، فيقول: قد امتلأتُ وشبعتُ، وهو يقدِر أن يزداد، كما يُقال: امتلَأ المسجد مِن النَّاس، وفيه فضلٌ وسِعة للرِّجال بعدُ، وامتلأ الوادي ماءً، وهو محتملٌ لأكثر منه .. » (٢).

وأمَّا دعوى المُعترضِ استنكارَه للقدَمِ أن تكون صِفةً لله تعالى في المعارضةِ الثَّانية، فجوابه أن يُقال:

إنَّ مِن لوازم الإيمان بالله تعالى الإيمان بما وَصَف به نفسَه في كتابه، ووَصَفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في سُنَّتِه، مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيل، ومِن غير تكيِيفٍ


(١) «مجموع الفتاوى» (١٦/ ٤٦).
(٢) «رد الدارمي على المريسي» (١/ ٤٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>