للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تمثيل، مع قطعِ الطَّمَع عن إدراكِنا لكيفيَّةِ تلك الصِّفات، لقولِه تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه: ١١٠]، وتنزيهِه سبحانه أن يُشبِه شيءٌ مِن صفاتِه شيئًا مِن صفاتِ المخلوقين، لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: ١١].

ومعلوم أنَّ السَّمع والبصر مِن حيث هما سَمع وبَصر يتَّصِف بهما جميع الحيوانات، والله يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: ١١].

فكأنَّ الله يُشير للخلقِ: ألَّا يَنفوا عنه صِفةَ سمعِه وبصرِه، بدعوى أنَّ الحوادثَ تَسمع وتُبصر، بدعوى أنَّ ذلك تَشبيه؛ بل عليهم أن يُثبِتوا له صفةَ سمعِه وبصِره على أساسِ ليس كمثله شيءٌ؛ فالله جل جلاله له صفات لائقةٌ بكمالِه وجلالِه، وللمخلوقات صفاتهم المناسبة لحالهِم، وكلُّ هذا حَقٌّ ثابت لا شكَّ فيه، وصِفة الربِّ أعلى وأكمل وأجلُّ مِن أن تُشبه صفاتِ المخلوقين (١).

هذا التَّأصيل العَقديُّ في باب الأسماء والصِّفات يشمل نَوعَيْ أدِلَّة هذا الباب:

الصِّفات الشَّرعيَّة العقليَّة: وهي الَّتي يَشترك في إثباتِها الدَّليل السَّمعي، والدَّليل العقلي.

والصِّفات الخَبريَّة: وهي الَّتي لا سَبيل إلى إثباتِها عقلًا إلَّا بطريقِ الخبرِ عن الله تعالى أو رسولِه صلى الله عليه وسلم؛ وهذه بدورها تكون فعليَّة: كالفَرح، والغَضب، والاستواءِ، وتكون ذاتيَّة: كالوَجه، واليَدين.

فمِن هذا القسم الأخيرِ صِفة القَدم -كما ثبت في حدِيثِنا هذا وغيرِه ممَّا وَرَد في هذا البابِ- فيجري على هذه الصِّفة الذَّاتية ما يَجري على باقي الصِّفاتِ الثَّابتة شَرعًا، مِن الإيمان بها على ما يَليق بالله تعالى، مِن غير تعطيلٍ ولا تمثيلٍ بصفاتِ المخلوقين، تعالى الله عن ذلك، وفيها يقول أحمد بن حنبل: «قول النَّبي صلى الله عليه وسلم: يَضَعُ قدَمَه، نُؤمِنُ به، ولا نردُّ على رسولِ الله ما قال» (٢).


(١) انظر «منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات» لمحمد الأمين الشنقيطي (ص/١١).
(٢) «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (١/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>