للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا في تنزيل هذا الأصل على هذه الصِّفةِ، قال الطَّيِبيُّ (ت ٧٤٣ هـ): «القَدَم والرِّجل المَذكوران في هذا الحديث مِن صفات الله تعالى المنزَّهة عن التَّكيِيف والتَّشبيه، وكذلك كلُّ ما جاء مِن هذا القَبيل في الكتاب والسُّنة، كاليَد، والأصِبع، والعَين، والمَجيء، والإِتيان، والنُّزول، فالإيمان بها فَرْض، والامتناعُ عن الخوضِ فيها واجب، والمُهتدي مَن سَلك فيها طريقَ التَّسليم، والخائضُ فيها زائغ، والمنكِر مُعطِّل، والمُكيِّف مُشبِّه» (١).

فالحاصل: أنَّه لا يَلزم مِن الاشتراكِ في جنسِ الصِّفة التَّماثلُ في حقيقتِها، وإلَّا لزِمَ مثله في آياتِ الصِّفاتِ الإلهيَّةِ الَّتي يتَّصِف بجنسِها المخلوقُ، وما أكثرَها في كتابِ الله تعالى.

فإن زُعِمَ أنَّ هذه مَجاز، فيُقال: فلِمَ لا يُقال مثلَ هذا في تلك الأحاديثِ الَّتي نقضتموها أنَّها مَجاز؟! بل سَعيتم في إبطالِها، ولم يُنقَل عن أحدٍ من مُحَقِّقي المُتكلِّمين الطَّعن في ثبوتِها؛ ولولَا أنَّ الخبرَ ثابتٌ مِن جِهةِ النَّقل، ما تَكلَّف جمهورُهم التَّنقيبَ عن دلالتِه، والخوضَ في تأويلِه (٢).

أمَّا ادِّعاء المعارضة الثَّالثِة من أنَّ الخبر يُفيد حصول المُماسَّةِ بين الخالقِ والمَخلوق:

فهذا كلام مَن يقيس صفات الله على صِفة المَخلوقِ، أو لم يفهمِ الحديثَ أساسًا! بأنْ تَوهَّم أنَّ قَدَم المولى سبحانه قد وَلَجت جَهَنَّم وبَقيت فيها مُدَّة! تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا؛ وقد تَوهَّم هذا الإفك على أهلِ الإثباتِ من أهل السُّنةِ قَومٌ مِن المُعطلِّة (٣).

وهذا جَهل مِمَّن تَوهَّمه أو نَقله عنهم، فإنَّ في الحديث: «حتَّى يَضعَ رَبُّ العِزَّة عليها قدمَه .. »، وهذا لا يَلزم مِنه مماسَّة لا لُغةً ولا عقلًا، فهو كقولِ الله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: ١٠]، و {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤]، ونحوها.


(١) «الكاشف عن حقائق السنن» للطِّيبي (١١/ ٣٥٩٦).
(٢) انظر «شرح صحيح مسلم» للنووي (١٧/ ١٨٢)، و «فتح الباري» لابن حجر (٨/ ٥٩٥).
(٣) «جامع المسائل» لابن تيمية (٣/ ٢٤٠ - ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>