للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا لفظُ الحديث من روايةِ أنسٍ رضي الله عنه: «حتَّى يضَع فيها رَبُّ العالمين قدَمه»، فمَجيء (في) فيه بمعنى (على)، كما في قولِ الله تعالى: {وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١]، والمعنى: على جذوعِ النَّخل (١)، ولأنَّه ضُمِّن مَعنى شدَّةِ الالتصاقِ أُبدِل بحرفِ (في)؛ فكذا أبدِل حرفُ الجرِّ (على) في هذا الحديث بـ (في) لتضمنُّه معنى الإِملاءِ.

وأمَّا جواب المعارضة الرَّابعةِ: في دَعوى كونِ الجنَّة والنَّار لا عقلَ لهما ولا مَعرفة ولا حاسَّة، وأنَّ ما وَرَد في الآية الكريمة من كلام جهنَّم لربِّها هو مجاز، فيُقال فيه:

حملُ الألفاظ على الحقيقة أصل لا يُحاد عنه إلَّا بقرينةٍ على إرادةِ المخاطِبِ للمَجاز (٢).

فأين القرينة هنا؟! وأيُّ مانع شرعيٍّ أو عقليٍّ يَحول دون كلامِ جَهنَّم أو الجنَّةِ وتَمييزِهما إذا أرادَ الله منهما ذلك؟! وقياس عالمِ الغيب على ما عندنا في عالمِ الشَّهادة باطلٌ لا يجوز، وإن كان «لا يَلزم من هذا أن يَكون ذلك التَّميِيزُ فيهما دائمًا» (٣).

ورَحِم الله ابنَ المنيِّر (ت ٦٨٣ هـ) على كلماتٍ رصيناتٍ سبكهنَّ في مَعرضِ تعقُّبِه للزَّمخشريِّ حملَه كلامَ النَّار في الآيةَ على المَجاز، يقول فيهنَّ: «نعتقِد أنَّ سُؤال جَهنَّم وجوابها حقيقة، وأنَّ الله تعالى يخلُق فيها الإدراكَ بذلك بشرطِه، وكيف نفرِض وقد وَرَدت الأخبار وتظاهرت على ذلك؟! منها هذا، ومنها: حِجاج الجنَّة والنَّار، ومنها: اشتكاؤُها إلى ربِّها فأذِن لها في نَفَسين.

وهذه وإن لم تكن نصوصًا، فظواهرُ يجِبُ حملُها على حقائِقها، لأنَّا مُتعبَّدون باعتقادِ الظَّاهرِ، ما لم يَمنع مانع، ولا مانع هاهنا، فإنَّ القدرة صالحة،


(١) انظر «تهذيب اللغة» (١٥/ ٤١٨).
(٢) انظر «إرشاد الفحول» للشوكاني (٢/ ٢٦٩).
(٣) «شرح النووي على مسلم» (١٧/ ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>