للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلَل في رأيِه ونظرِه وفهمِه، فهو في الرِّواية! وليفزَعْ إلى مَن يثق بدينِه وعلمِه وتقواه، مع الابتهال إلى الله عز وجل فإنَّه وليُّ التَّوفيق» (١).

وصدَقَ -نوَّر الله مرقَدَه-، فإنَّ الواحد مِنَّا «قد يكون مِن أذكياءِ النَّاس، وأحدِّهم نظرًا، ويُعمِيه عن أظهر الأشياء، وقد يكون مِن أبْلَدِ النَّاس، وأضعفِهم نظرًا، ويهديه لمِا اختُلف فيه مِن الحقِّ بإذنه، فلا حول ولا قوَّة إلَّا به.

فمَن اتَّكل على نَظَرِه واستدلالِه، أو عقِله ومَعرفتِه: خُذِل» (٢)، ومَن تبَرَّأ من الاتِّكالِ على حولِه وفهمِه، إلى حولِ الله وهدايتِه: هُدي؛ فهو الرُّكن الشَّديد، ومَفزعُ الأئمَّة في المُلمَّات العِلميَّة والعَمليَّة.

ولله درُّ ابن تيميَّة إذ يترجِم هذا المعنى في سيرتِه، فيقول: «إنَّه ليَقِف خاطِري في المسألة والشَّيءِ، أو الحالةِ الَّتي تُشكل عليَّ، فأستغفرُ الله تعالى ألف مرَّة، أو أكثرَ أو أقلَّ، حتَّى ينشرح الصَّدرُ، وينحلَّ إشكال ما أشكل، وأكون إذ ذَّاك في السُّوق، أو المسجدِ، أو الدَّرب، أو المدرسة، لا يمنعني ذلك من الذِّكر والاستغفار، إلى أن أنال مَطلوبي .. » (٣).

فعلى مثل هذا الحال من الافتقار المَعرفيِّ إلى تعليم الله وهدايته، ينبغي أن يكون المؤمن المُستشكل، ولو استطالَ به الزَّمَن، واستكثَرَ ما بَذَله مِن جهدٍ ووقتٍ في تفهُّمِ سُنَّة نبيِّه، فإنَّه «لا يستعمِل في ذلك الظُّنون الَّتي حرَّم الله تعالى عليه استعمالها في غيره، وإذا كان استعمالها في غيرِه حرامًا، كان استعمالها فيه أحرَم» (٤)؛ فإذا «كان الموضعُ مِمَّا يَتَعلَّق به حكمٌ عَمليٌّ: فليلتَمِسْ المخرجَ، حتَّى يقف على الحقِّ اليقين، أو لِيَبْقَ باحثًا إلى الموتِ، ولا عليه مِن ذلك!» (٥)،


(١) «الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/٢٣٧).
(٢) «درء تعارض العقل والنقل» (٩/ ٣٤).
(٣) «الانتصار» لابن عبد الهادي المقدسي (ص/٦٨).
(٤) «شرح مشكل الآثار» لأبي جعفر الطحاوي (٦/ ٣٣٨).
(٥) «الاعتصام» للشاطبي (ص/٨٢٢).
وتلمَّس تجليَّات هذا المَسلك العزيز في مثل موقف السِّندي من حديث لطم موسى لملَك الموت، حيث قال في حاشيته على «سنن النسائي» (٤/ ١٢٠): « .. والأقربُ أنَّ الحديث مِن المشتبهات، الَّتي يُفوَّض أمرها إلى الله تعالى»، وهذا المخرج وإن لم يَكُن هو التَّأويل الصَّحيح للحديث، ولكنَّه خيرٌ من عَجَلة المُنكرينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>