للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي سعيدٍ في كونِ المَكشوف هو ساقٌ هي صِفةٌ لله تعالى، رُوي ذلك عن ابن مسعودٍ، وأبي هريرة رضي الله عنهم (١).

والمقرَّر عند أربابِ أصولِ التَّفسير بالإجماع (٢): أنَّ الخِلافَ إذا وَقَع في تفسيرِ مُجملِ آيةٍ من كتابِ الله، وكان فيها مِن النَّبي صلى الله عليه وسلم بَيانٌ عنه صَحيح، فلا شكَّ أنَّ السُّنة قاضيةٌ في هذا المَقامِ.

وإنَّما مناطُ الخلاف: في ما إذا كانَ الحديثُ ظاهرًا في تفسيرِ آيةٍ لا نَصًّا فيها، ففي هذه الحالة يُحتمَل الخلاف؛ وما نحن بصَددِ دراستِه مِن حديثِ أبي سعيد رضي الله عنه مِن أوضحِ الأمثلةِ على هذه المسألة! ذلك أنَّ ابنَ عبَّاس رضي الله عنه وإن نَحا في تفسيرِ الآيةِ مَنحًى لُغوِيًّا، وغيرُه أخَذَ فيها بما صَحَّ مِن خبرٍ مَرفوعٍ، فإنَّ ابن عبَّاس ومَن تبِعه لا يُعَدُّون بذا مُخالِفين للتَّفسيرِ النَّبوي نفسِه؛ فإنَّ الحديثَ وإن كان التَّشابه بينه وبين الآيةِ ظاهرًا، لكنْ لم يَنُصَّ صَراحةً على كونِه تَفسيرًا للآية! فتَرجِعُ المسألة حينئذٍ إلى الاجتهادِ.

وفي تقرير هذه القاعدة في خلافِ المُفسِّرين، يقول ابن تيميَّة:

«الصَّحابة رضي الله عنهم قد تَنازعوا في تفسيرِ الآية: هل المُراد به الكشفُ عن الشِّدة؟ أو المُراد به أنَّه يَكشف الرَّبُ عن ساقِه؟

ولم يتنازع الصَّحابة والتَّابعون في ما يُذكر مِن آياتِ الصِّفاتِ إلَّا في هذه الآية، بخلاف قولِه: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} [ص: ٧٥]، {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [الرحمن: ٢٧] ونحو ذلك، فإنَّه لم يَتنازَع فيها الصَّحابة والتَّابعون.

وذلك أنَّه ليس في ظاهرِ القرآنِ أنَّ ذلك صِفةٌ لله تعالى، لأنَّه قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}، ولم يقُل: (عن ساقِ الله)، ولا قال: (يكشف الرَّب عن ساقِه)، وإنَّما ذَكَر ساقًا مُنكَّرة غيرَ مُعرَّفة ولا مُضافة، وهذا اللَّفظ بمجرَّدِه لا يدلُّ على أنَّها ساقُ الله.


(١) «جامع البيان» (٢٣/ ١٨٩).
(٢) انظر «مناهل العرفان» للزرقاني (٢/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>