للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذا كان الصَّحيح أن يُقال في هذا الباب: إنَّ التَّكليفَ أو الاختبارَ إنَّما يَنقطِعان عند دخولِ دارِ القَرار، أمَّا في البرزخِ وعَرَصاتِ يومِ القيامةِ فلا يَنقطع مُطلقًا، وهذا ما حكاه الأشعريُّ عن مذهبِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ (١)، بل عَدَّه بعضُ المُحَقِّقين مِن المَعلومِ مِن الدِّين بالضَّرورةِ (٢).

لكن هذا التَّكليف وقتئذٍ لا يَقتضي ترتيبَ ثوابٍ أو عقابٍ خاصَّيْنِ على المُكَلَّفين بالضَّرورة، بل الغايةُ منه إظهارُ حالِ المُختَبرين وتقريع مَن خالَف منهم، وهو بذا نوع عقوبة (٣)؛ و «مَن لم يُكلَّف في الدُّنيا يُكلَّف في عَرصات القيامة، وهذا ظاهرُ المناسبةِ، فإنَّ دارَ الجزاءِ لا امتحانَ فيها، وأمَّا الامتحان قبل دارِ الجزاء، فمُمكنٌ لا مَحذور فيه» (٤).

هذا هو المَنقول عن علماءِ السُّنة والحديث، ونقَلَه ابن حجرٍ موافقًا له (٥).

وأمَّا دعواهم في الاعتراضِ الثَّالث: أنَّ ظاهرَ الحديث التَّشبيه والتَّجسيم.

فالجواب عليه: وإن كان مُضمَّنًا في الجوابِ عن المعارضةِ الأولى آنفًا، فقد سَبق الإجابة عن شبيهِه عند الكلامِ عن شبهةِ مَن نَفَى (صِفة القَدم) في مَبحثٍ قبل هذا: في كونِها تُثبَت لله تعالى كما أثبتَها له نبيُّه صلى الله عليه وسلم، مِن غير تَكييفٍ ولا تمثيل لها بصفةِ المَخلوقين، فإنَّ مثلَها مثلُ باقي الصِّفاتِ الذَّاتية، والكلام في هذا الباب واحد، ما يُقال في بَعضِ الصِّفاتِ، يُقال في البعضِ الآخر؛ فلا يُستفصل عن حقيقة ذلك وكيفيَّتِه، ويُفوَّض علم ذلك إلى الله.


(١) في سياقِ تقريره لامتحانِ الأطفالِ يوم القيامة، انظر «تفسير ابن كثير» (٥/ ٥٨).
(٢) «طريق الهجرتين» لابن القيم (ص/٤٠١).
(٣) انظر «دفع دعوى المعارض العقلي» لـ د. عيسى النعمي (ص/٥٧٤)
(٤) «جامع المسائل» لابن تيمية (٣/ ٢٣٨).
(٥) «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٢٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>