للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَن ذَهب في تفسيرِ الآيةِ إلى اعتمادِ اللُّغة، ولم يَرَ الحديثَ واردًا لتفسيرِها: فقولُه سائغٌ، وله فيه أيضًا أئِمَّتُه (١).

الشَّاهد الأهمُّ مِن هذا كلِّه: أنَّ أحَدًا مِن هؤلاء الأئمَّةِ لم يَطعن في خبرِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه بأيِّ دعوًى كانت كما فَعَله المُحْدَثون!

وأمَّا جوابُ المعارضةِ الثَّانية: في دعوى المُنكرِ للحديثِ كونَ الآخرةِ دارَ جزاءٍ، لا تَكليفَ فيها بسجودٍ ولا بغيرِه، فيُقال فيه:

إنَّ ما استشهدَ به (الغزاليُّ) مِن كلامٍ أورده البخاريِّ في كتابِه، ليتوصَّل به إلى إبطالِ خبرٍ صحيحٍ، لا يَصِحُّ منه مَسلكًا علميًّا مُعتبرًا في النَّقدِ، لأمرين:

أوُّلاهما: أنَّ الأثرَ الَّذي عَناه بالاستشهادِ، لا يصِحُّ مَرفوعًا إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، كما قد يتوهَّمه مَن لا خبرةَ له بشأنِ مُصنَّفاتِ الحديث، بل هو مَوقوف على عليٍّ رضي الله عنه، ونسبة الغزاليِّ له إلى «الصَّحيح» مُطلقًا يُوهِم كونَه في «الصَّحيح» مُسندًا للاحتجاجِ، في حينِ أنَّ البخاريَّ قد ذَكَره مُعَلَّقًا، مُترجِمًا به أحدَ أبوابِ كتابِه لا غير (٢).

ثانيهما: على فرضِ صِحَّةِ هذا الأثرِ عن عليٍّ رضي الله عنه فإنَّ عمومَه غير مُراد، والاستدلال بالعُمومِ لنفيِ الخصوصِ لا يمشي عند الأصوليِّين، وعمومُ هذا الأثرِ يَقتضي قصْرَ الاختبارِ والتَّكليفِ في حالِ الدُّنيا فقط، ونَفْيَ ذلك عن النَّاسِ مُطلقًا مِن لحظةِ الموتِ إلى دخولِ إحدى الدَّارين!

وهذا ما لا يقول به عالِم قَطُّ، ولا حَتَّى الغزاليُّ يقول به، فإنَّه يُثبِت سؤالَ المَلَكيَين للنَّاسِ في البَرزخ وفتنتهم (٣).


(١) انظر «شرح مقدمة التسهيل» لمساعد الطيار (ص/١١٣).
(٢) أورد البخاري هذا الأثر عن علي في «صحيح» (٨/ ٨٩) بعد قوله: (باب: في الأمل وطوله)، ووصله ابن حجر في «تغليق التعليق» (٥/ ١٥٨).
(٣) انظر «عقيدة المسلم» (ص/٢٠٩ - ٢١٠)، و «كيف نتعامل مع القرآن» كلاهما لمحمد الغزالي (ص/١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>