للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبه يُعلَمُ أنَّ ابنِ عبَّاس رضي الله عنه وإن نَحى في تفسيرِ الآيةِ على نَحوِ أهلِ اللُّغةِ، فإنَّ ذلك منه غيرُ مُقتضٍ لنفيِ نفسِ الصِّفةِ المذكورة في الحديث، وقد وردَت هي في خبرٍ آخر عن الشَّارع، فإنَّ انتفاءَ الدَّليل المُعيَّن لا يقتضي انتفاءَ المَدلول (١).

ومِن ثَمَّ قُلنا: إنَّ تفسيرَ ابن عبَّاس رضي الله عنه ومَن تبِعه للآيةِ ليس تأويلًا منه للصِّفة كما تَوهَّمه عنه مَن لم يفهم كلامَه، فليست الآية نَصًّا في ذلك؛ إنَّما أخذ ابن عبَّاس بظاهرِ اللَّفظِ بما يتبادر إلى ذهنِ العَربيِّ إذا خُوطبِ بمثلِه، وهذا الطَّريقُ يُلجَأون إلى سلوكِه في حالِ لم يجدوا في نصوصِ الوَحيِ ما يُبِين عن المُرادِ منها (٢).

وحاصل الكلام في هذا المقام: أنَّ السَّببَ الحقيقيَّ في اختلافِ المتأخِّرين في هذه الآيةِ يرجع إلى اختلافٍ في الرِّوايةِ عن السَّلف:

فمَن ذَهب إلى اعتمادِ الحديثِ تفسيرًا للآية، باعتبارِ التَّشابه الظَّاهرِ بينهما، فهو يَرى أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قد حَدَّد المدلولَ المُراد من لفظِ السَّاقِ في الآية، فقائلُ هذا سائغٌ قولُه، وله فيه أئِمَّتُه.


(١) مثالُ هذا رواه الطَّبري في «تفسيره» (٢/ ٤٥٧) عن مجاهد بن جبر في تفسيرِ قولِ الله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، قال مجاهد: «فثَمَّ قِبلةُ الله»؛ فمَن قال مثلَ قولِه في الآية، مَنَع أن يكونَ لفظُ الوجهِ فيها ظاهرًا في الصِّفة، بل الوجهُ عنده فيها كالوِجهة، كما في الآية الأخرى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}، ومَن أثبتَ أنَّها صِفة لله تعالى، سلَك طريقةً أخرى في إثباتِ ذلك، غيرَ أنَّهم مُتَّفقون جميعًا أنَّ الوجهَ صِفة ذاتيَّة لله تبارك وتعالى؛ انظر «جواب الاعتراضات المصريَّة» (ص/١١٠).
(٢) انظر أثرًا صحيحًا عن ابن عباس رضي الله عنه في ترتيب مصادر التفسير عنده في «المقدمات الأساسية في علوم القرآن» لعبد الله الجديع (ص/٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>