للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّحم؛ فيتحلَّل ويغور وتختفي آثاره منها، ويصدق عليه أنَّ الرَّحم تبتلعه كما تبتلع الأرض الماء.

وعلم الأجنة الحديث يجلِّي هذه الحقيقة: حيث يقرِّر أهل التَّخصُّص بالأجِنَّة، أنَّ الأجِنَّة عندما تهلك في الأسابيع الثَّمانية الأولى مِن عمرها؛ إمَّا أن تسقط خارجَ الرَّحم، أو تتحلَّل ثمَّ تختفي من داخله، فيتغيَّر فيه حجم الرَّحم، ليأخذ في الصِّغر والجمود، نظرًا لامتصاص السَّائل (الأمنيوسي) الَّذي يعيش فيه الجنين، بسبب تهتُّك هذا الأخير، ويسمُّون هذا الهلاك بصورَتيه: «الإسقاطَ التلقائي المبكِّر»، وهو يكثر حدوثه خلال الأسابيع الثَّمانية الأولى مِن الحمل، فأمره شائع في الحوامل، تصل نسبة حدوثه عندهنَّ إلى ما يقرب من (٦٠%)! (١)

فهذا أقرب ما يكون إلى ما قرَّرناه في معنى غيضِ الأرحام.

ولله درُّ عبد الرَّحمن السَّعدي (ت ١٣٧٦ هـ)، كيف اهتدى إلى تفسيرِ الغَيْضِ في الآية بكِلتا صورَتي السَّقطِ السَّابقتين كما قرَّرناه؟! وكأنَّه طالع أحوال الأجِنَّة الهالكةِ في أحدث المراجع العلميَّة قبل أن يسطِّر تفسيرَه! فتراه يقول: «ما تغيض الأرحام: أي تنقص ممَّا فيها، إمَّا أن يهلك الحمل، أو يَتَضاءل، أو يضمَحِلَّ» (٢).

فقوله «إمَّا أن يهلِك الحمل»: هو السَّقط الَّذي يلفظه الرَّحم.

وقوله «أو يتضاءل»: هو الإجهاض المخفيُّ، حيث ينكمش حجم الجنين ويتصاغر.

وقوله: «أو يضمحلَّ»: هو الأجِنَّة الَّتي تَتلاشى في الرَّحم.

فيتبيَّن مِن هذا التَّفصيل السَّالف، أنَّ المقصودَ بعلمِ ما تغيض الأرحام: هو العلم السَّابق بحدوث الإسقاط التِّلقائي المبكِّر بصورتيه قبل تمامِ تخليقِ الجنين، مع توفُّر مقدِّمات الخلق الضروريَّة ومادَّته الأولى، وتهيُّؤ أسباب ذلك وانتفاء


(١) انظر مقال لـ د. عبد الجواد الصاوي بعنوان «مفاتيح الغيب وعلم ما في الأرحام»، منشور في مجلة «الإعجاز العلمي» العدد ٢٨، ص/٨.
(٢) «تيسير الكريم الرحمن» للسعدي (ص/٤١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>