الموانع لحدوثه، فيتخلَّص الرَّحم من تلك المواد الأوليَّة بإسقاطها، أو بغورِها واندثارِها.
وعليه، فإنَّ علمَ غَيْض الأرحام الَّذي لا يعلمه إلَّا الله: هو العلم بمستقبل هلاكِ الأجنَّة المبكرَّة أو حياتها، أو بمعنى آخر: العلم بإرادة الله تعالى في إتمامِ تخليقِ إنسان من عدمه، فهذا العلم هو المقصور على الله وحده، ويستحيل على الخلق جميعًا معرفته.
إنَّ المراجع الطبيَّة لا تزال تعجَز عن الإجابة عن سبب سقوطِ بعض الأجنَّة بعد موتِها دون بعضها الآخر، ذلك «لأنَّ الجنين في بطنِ أمِّه يمرُّ خلال مرحلة تخليقه بتحوُّلات مُعقَّدة إلى الغاية، لا تزال جوانب كثيرة منها تمثِّل لغزًا محيِّرًا للأطبَّاء أنفسِهم، وقد تحدث خلال هذه المدَّة الحرِجة تغيُّرات مفاجئة، ينجم عنها خلل في الصِّبغيَّات أو الجينات، فتؤدِّي إلى هلاك الجنين المبكِّر بنسبٍ عالية.
هذه التَّغيرات المفاجئة المُميتة لا تزال خارجَ نطاقِ العلم القَطعيِّ بحدوثها، وذلك أنَّ معظم أسبابها مَجهولة، يستحيل الكشفُ عنها مُسبقًا، أو توقُّع حدوثها، لأنَّ الخلل في الصِّبغيات يحدث بطريقةٍ عشوائيَّة ومتفرِّقة، ولا يمكن العلمُ بحدوثه قبل أن يحدث.
وكذا الاضطرابات في العوامل الجِينيَّة العديدة المسئولة عن تمايز الخلايا ونموِّها، وما يمكن أن يتعرَّض له الجنين من العوامل الماسخة، مِن الإشعاع والفيروسات والمواد الكيميائيَّة، وما يمكن أن تتعرَّض له الأمُّ من الصَّدمات النَّفسيَّة أو العصبيَّة، أو الأمراض المختلفة في المستقبل، كلُّ ذلك غَيْب، لا يستطيع أحدٌ مِن البَشر أن يجزم بحدوثِه أو عدم حدوثِه، وبالتَّالي فما يُبنى عليها مِن حدوثِ الإسقاط التلقائيِّ يظلُّ غَيْبًا لا يعلمه إلَّا الله» (١).
(١) مقال لـ د. عبد الجواد الصاوي بعنوان «مفاتيح الغيب وعلم ما في الأرحام»، منشور في مجلة «الإعجاز العلمي» العدد ٢٨، ص/٩.