للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ كثرةَ تلك العَوارِضِ والإشكالات الفكريَّة الَّتي تأتي على قلبِ المُسلمِ، عادةً ما تُضعِف مِن وَهَجِ تسليمِه لنصوصِ الوَحْيَين مع الوقت، فتؤثِّر في إدراكِه لحقيقةِ معانيها، وإن كان صادقًا في اتِّباعِ الشَّرع! فليس الزَّلل في هذا المَقام الخطير مُقتصرًا على مَرضى القلوبِ، بل حَرُّها يَمسُّ أيضًا مَن تكاثَرت عليه الشُّبهاتُ مِن غيرِ مَنَعةٍ عِلميَّةٍ، حتَّى تصير تلك الشُّبهات نفسُها المِعيارَ الَّذي يُقيِّم النُّصوصَ من خِلالِها؛ فلقد أضَرَّت المسكين بتسليمِ قلبِه ولَوْ لِمامًا (١).

وحاصلُ القولِ في هذا البابِ: ما أحكمَ ابن تيميَّة سبْكَه في كلماتٍ بليغات، جَمَعت بين متانةِ التَّقعيدِ العلميِّ، وروحِ التَّوجيه التَّربوي، يقول فيهنَّ:

«التَّكذيب بما لم يُعلَم أنَّه كذب، مثل التَّصديق بما لا يُعلَم أنَّه صدق! والنَّفي بلا علم بالنَّفي، مثل الإثبات بلا علمٍ بالإثبات! وكلٌّ من هذين قولٌ بلا علم.

ومَن نَفى مضمونَ خبرٍ لم يَعلم أنَّه كذب، فهو مثل مَن أثبتَ مضمونَ خبرٍ لم يَعلَم أنَّه صدق، والواجبُ على الإنسان فيما لم يقُم فيه دليل أحد الطَّرفين، أن يُسرِّحَه إلى بُقعةِ الإمكان الذِّهني، إلى أن يحصل فيه مُرجِّح أو موجب، وإلَّا يكون قد سَكت عمَّا لم يعلم، فهو نصف العلم.

فرحم الله امرأً تكلَّم فغنم، أو سكَت فسلِم، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقُل خيرًا أو ليصمُت، وإذا أخطأ العالمُ لا أدري، أُصيبت مَقاتله .. » (٢).

أعاذَ الله مَقاتِلنا أن تُصاب، وأفهامَنا أن تزيغَ عن الصَّواب؛ آمين.


(١) انظر «التَّسليم للنَّص الشَّرعي» لـ د. فهد العجلان (ص/١٠).
(٢) «جواب الاعتراضات المصرية» (ص/٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>