للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك تعليل نهيقِ الحمار برؤيته لشيطان؛ فإنَّه يُشكل عليه: ما ورد في صحيح الحديث: أنَّ لكل إنسانٍ شيطانًا موكلًا به، ومثله ما جاء في القرآن الكريم مِن وجود الَقرين للإنسان .. وقد بيَّن لنا الحقُّ تعالى أنَّ الشَّيطان كثير الوَسوسة للإنسان، وعلَّمنا أن نستعيذ بالله مِن شَرِّ الوسواس الخنَّاس ... إلخ.

والحاصل أنَّ النَّاس في غالب أحوالهم مُعرَّضون لمحاولات الإضلال مِن قِبَل الشَّيطان ولوساوسه، فلو كان نهيق الحِمار سببه رؤية الشَّيطان: لوَجَب أن تنهق الحمير في الأوقات كلِّها، ولدى رؤيتِها للنَّاس! ويلزم: أنَّه إذا كان الإنسان راكبًا حمارًا، فكلَّما وسوس له الشَّيطان بشيءٍ، وَجب أن ينهق الحمار مِن تحتِه لرؤيتِه الشَّيطان!

وكذلك يُشْكِلُ متن الحديث إذا وضعناه بجانب الحديث الأخير؛ حيث كثيرًا ما يكون حمار أو حمير -في القُرى- على باب مَسْجد أو قريبًا منه، ثمَّ نرى أنَّ المؤذِّن يؤذِّن، ولكن لا نسمع نهيق الحمار! مع أنَّه مِن المفروض حسب الحديث الأوَّل: أنَّ الشَّيطان خرج مِن المسجد له ضراط، وحسب الحديث الثَّاني: أنَّ الحمار يرى الشَّيطان، وينهق عند رؤيته!» (١).

هذا؛ ولم ينسَ (عفانة) أن يفتِّش لإسناد هذا الحديث عن عِلَّةٍ يُنيط بها ما اكتشفه في المتنِ مِن نكارة، فلم يجِد إلَّا أن يَتَّهم به: عبد الرَّحمن بن هرمز راويه عن أبي هريرة، وحدسُه أنَّه ما سمعه إلَّا مِن كعب الأحبار (٢).


(١) «نحو تفعيل قواعد نقد الحديث» لإسماعيل كردي (ص/٢٧٦ - ٢٧٧).
(٢) «الإسلام وصياح الدِّيك» لعفانة (ص/٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>