للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد كان ما خَشِيَه حقًّا! فإنَّه بعد تخلِّيه عن الشَّام، ورجوعِه القَهقرى إلى داخل بلادِه وقواعدِها مِن قُسطنطينية، هَلَك أثناء حصارِ عمرو بن العاص رضي الله عنه للإسكندريَّة سنة (٦٤١ م)، «ولم يكُن قد بَقِيَ مِن أرض مصرَ في أيدي الرُّوم عند وفاةِ هرقل سِوى هذه المدينة، وبدخولهِا في حَوْزة المسلمينَ في السَّنةِ التَّاليةِ، تَمَّ لهم فتحُ مصرَ، واقتطاعُها نهائيًّا مِن الإمبراطوريَّة البِيزَنطيَّة» (١).

فظَهَر بهذا أنَّ قوله صلى الله عليه وسلم: «لا قيصر» هو على حقيقتِه، لأنَّ القيصر لقبُ مَلِك الشَّام مِن الرُّوم، وليس لقبًا لمَلِك الرُّوم مُطلقًا، وقد انزاحَ مُلك الرُّومِ عن الشَّام، فانزاح معها لقب القيصريَّة تَبَعًا، «وفي هذا بِشارة عظيمةٌ بأنَّ مَلِك الرُّوم لا يعود أبدًا إلى أرض الشَّام» (٢).

وأمَّا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا كِسرى»: فالمُراد مِنه وَقَع لا مَحالة، لأنَّه لم تَبقَ مملكتُه على الوجهِ الَّذي كان زمنَ النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبُت لأحدٍ بعدَه مُلكٌ حتَّى اضمحلَّت دولتُه سَريعًا؛ وكان أنِ «افتَتَح المسلمون بلادَهما، واستقرَّت للمسلمين ولله الحمد، وأنفقَ المسلمون كنوزَهما في سبيلِ الله كما أخبرَ صلى الله عليه وسلم، وهذه معجزات ظاهرة» (٣).

ولذلك عَدَّ العلماء هذا الخَبر منه صلى الله عليه وسلم مِن أعلامِ نُبوَّتِه (٤).


(١) «تاريخ الامبراطورية البيزنطية» لـ د. محمد مرسي الشيخ (ص/٨٨) بتصرف يسير.
(٢) «البداية والنهاية» لابن كثير (٦/ ٤٩١).
(٣) «شرح النَّووي على مسلم» (١٨/ ٤٢).
(٤) كأبي نُعيم في «دلائل النبوة» (ص/٥٤٣)، وابن تيميَّة في «الجواب الصحيح» (٦/ ١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>