للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مَن مَلَك الشَّام مع الجَزيرة (١) مِن الرُّوم، فإذا سَقَطت الشَّام مِن مَملكتِه، انتفى لَقَب القَيصريَّة تَبعًا لذلك (٢).

هذا، وقد كانت الشَّام لقيصرَ «مَشْتاه ومَربَعُه، وبها بيت المَقدس، وهو المَوضع الَّذي لا يَتِمُّ نُسُك النَّصارى إلَّا فيهنَّ، ولا يُمْلِ على الرُّوم أحَدٌ مِن ملوكِهم، حتَّى يكونَ قد دَخَله سِرًّا أو جهرًا» (٣).

ولذلك لوحِظَ تاريخيًّا تَخلِّي مُلوك الرُّومِ البِيزَنطيِّينَ عن لَقبِ (القَيصر) بعد ما جرى عليهم في تلك الأرض المُقدَّسة ما جَرى، وانْمحَى فيهم هذا الاسم بعدُ تَدريجيًّا.

وفي ذلك يقول أبو زرعة العِراقي: «مِمَّا انقرَضَ ولم يعُد: بقاءُ اسمِ قيصر، لأنَّ ملوك الرُّوم لا يُسمَّون الآن بالأقاصِرة، وذَهَب ذلك الاسم عن مُلكِهم، فصَدَق أنَّه لا قيصر بعد ذلك الأوَّل» (٤).

هذا مع فقدِهم لبلادٍ واحدةٍ وهي الشَّام، فكيف يكون بُأسُ دولةِ هرقلٍ وقد فقدوا بعدها بلادَ مِصر؟!

لقد كان هِرقلٌ نفسُه مُعترِفًا بأنَّ سقوط هذين القُطرَين العَظيمين لا يُسقِط حكمَ القيصريَّةِ فحسب، بل هو إيذانٌ باندثارِ دولةِ الرُّوم بأكملِها، فكان يقول: «لَئِن ظَهَرت العَربُ على الإسكندريَّة، إنَّ ذلك انقطاعُ مُلك الرُّوم وهلاكُهم؛ لأنَّه ليس للرُّوم كنائس أعظمُ مِن كنائس الإسكندريَّة، وإنَّما كان عيد الرُّوم بالإسكندريَّة حيث غَلَبت العَرب على الشَّام، فلَئِن غَلبونا على الإسكندريَّة لقد هَلَكَت الرُّوم، وانقطعَ مُلكها» (٥).


(١) هي البلاد الَّتي بين نَهري دجلة والفرات، مجاورة الشَّام، وهي أقرب أرض الروم إلى فارس، تشتمل على دِيار مُضر وديار بكر، انظر «معجم البلدان» (٢/ ١٣٤).
(٢) انظر «البداية والنهاية» لابن كثير (٦/ ٤٩١)، و «مرآة الجنان» لليافعي (٢/ ٢٣٦).
(٣) «أعلام الحديث» (٢/ ١٤٤٧).
(٤) «طرح التَّثريب» (٧/ ٢٥٣).
(٥) «فتوح مصر والمغرب» لابن عبد الحكم (ص/٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>